أسئلة مشروعة لكنها على هامش جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة

وأنا أتابع الجدل الديني الحامي كما في كل مناسبة وفي كل حدث مرّت بي صور من سيرة الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام- محاولا استنباط (المنهج الإسلامي العملي في طرح الأسئلة ومناقشتها إزاء الأحداث والنوازل الطارئة):

الصورة الأولى:

المستضعفون من المسلمين يتأهبون للهجرة إلى الحبشة لأن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، هكذا وصفه لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام،

حاولت أن أجد صحابيا واحدا يقف ليسأل: هذا الذي سنذهب إلى جواره أهو من أهل الجنّة أم من أهل النار؟

رغم أنه سؤال مشروع، لكن الصحابة لم يسألوا! بل المتوقع أن يسألوا هذا السؤال إنما هم المشركون، لأن هذا السؤال يخدمهم بالطبع،

وقد سألوا بالفعل مثل هذا السؤال في مناسبة أخرى -كما لا يخفى على طلبة العلم-.

الصورة الثانية:

عبد الله بن أريقط الرجل المشرك الذي كان دليل النبيّ في الهجرة المباركة، وكان وفيا أيما وفاء وأمينا أيما أمانة، فلم يلتفت إلى إغراء قريش بالمائة من الإبل، ولا إلى وعدها ووعيدها،

وكان باستطاعة الصدّيق -رضي الله عنه- أن يسأل وهم في هذا الطريق الشاق والخطير:

يا رسول الله ما تقول في دليلنا هذا هل هو من أهل الجنة أو من أهل النار؟ ما رأيكم يا إخواني وأخواتي؟

الصورة الثالثة:

في الحديبية تحالفت بكر مع قريش وتحالفت خزاعة مع المسلمين،

ثم غدرت بكر بخزاعة وقتلت منهم، فاستنصرت خزاعة المسلمين،

فهب المسلمون لنصرتهم، وكان فتح مكة كلها نتيجة لذلك الحدث،

هل سمعتم يا إخوتي صحابيا سأل عن هؤلاء الخزاعيين الذين قتلتهم بكر هل هم من أهل الجنّة أو من أهل النار؟

يا إخواني؛

الناس العمليون ينطلقون إلى أهدافهم كالسهم لا ينشغلون عنه حتى لو كان هذا الانشغال مشروعا بحد ذاته،

إذا كان هذا مشتّتا للجهود مبعثرا للطاقات، وقد يستفيد منه العدوّ أكثر مما نستفيد نحن منه.

العلم والتعلم والفقه والتفقه له مجالاته، عندنا جامعات ومعاهد ومراكز بحوث، عندنا مجالس ومدارس وفضاءات علمية يمكن أن نتحاور فيها بكل شيء،

أما الأحداث فينبغي أن تكون لنا منهجية واعية وهادفة للتعامل معها، هذا هو منطق الحكمة، ومنطق العقل، ومنطق المصلحة أيضا.

من د. حلمي القاعود

أستاذ جامعي وأديب وكاتب مصري.