ظهرت فكرة إنشاء بنك مصري برأس مال وطني، لأول مرة، في جريدة الأهرام، في مقال كتبه طالب حقوق مصري اسمه (محمد بدوي البيلي) في أبريل من عام 1919م، أي بعد أقل من شهرين من قيام الثورة.

وكانت هذه المقالة هي شرارة بدء حملة صحفية كبيرة شارك فيها الطلبة والكتاب والصحفيين بمقالاتهم وأعمدتهم، حتي أصبح قيام هذا البنك مطلب شعبي مهم. ولم يمض علي الحملة شهرين حتي طارت الأخبار إلى الصحف، أن بعض رجال الأعمال البشوات والأفندية قد بدأوا بالفعل في تأسيس بنك وطني مصري برأس مال مصري.

– تلقّفَ الاقتصادي طلعت حرب الفكرة، وأصر على تنفيذها، ونجح في تحقيقها باقتدار. 

البداية القديمة:

– في خطوات للوراء، وفي يوم 14 إبريل 1879م، جرى اجتماع حضره كبار الأعيان والتجار، وكان الهدف من ذلك الاجتماع هو إيجاد محاولة لتخليص الوطن من الديون، وفي سبيل ذلك فكروا في افتتاح بنك وطني برأسمال قدره 14 مليونا من الجنيهات، تُجمع من سائر أفراد الأمة.. ومن هذا الاجتماع تولّدت فكرة إنشاء “بنك وطني” للمرة الأولى، وذلك قبل عامين اثنين من الاحتلال الإنجليزي لمصر.

وسرعان ما تدهورت الأمور في مصر إلى أن تم خلع الخديوي إسماعيل من عرش مصر، وحلّ محله ابنه توفيق في 26 يونيو 1879م، وبلغت ديون مصر حوالي مائة مليون جنيه.

– حتى الحرب العالمية الأولى كان الأجانب يسيطرون على جميع البنوك في مصر، لدرجة أن الحكومة المصرية أودعت أموالها لدى البنك الأهلي بفائدة 1.5% مع علمها بأن البنك يرسل هذه الأموال إلى الخارج. وبلغ الرأسمال الأجنبي في عام 1914م، حوالي 91% من مجموع الأموال التي تُستغل في الشركات المساهمة التي تزاول نشاطها في مصر.

– في ظل هذا الحال كان صوت طلعت حرب هو الصوت الاقتصادي الذي رأى أن السبيل لتحرير اقتصاد مصر هو إنشاء بنك مصري برؤوس أموال مصرية صرفة، وأخذ يطوف القرى والنجوع داعيا لإنشاء بنك مصر.. وكالعادة قُوبل بالسخرية والاستهزاء، لكنه لم ييأس.

– وبخطوات هادئة وواثقة ظل طلعت حرب يدعو للمشروع، وحين سمع بذلك المستشار المالي الإنجليزي استدعاه لمقابلته، وقال له: “هل تتصور أن المصريين يستطيعون أن يديروا بنكا؟ إنها صناعة الأجانب وحدهم”، ونصحه بأن يشرك الأجانب في أي بنك يفكر في إنشائه حتى يعطي المصريين شعورا بالثقة في هذا البنك!. لكن طلعت حرب رد عليه بثقة: “لقد قررتُ أن يكون هذا البنك مصريا مائة في المائة”.

– أقنع طلعت حرب، 126 من المصريين بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به (80 ألف جنيه)، تمثل عشرين ألف سهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو (عبد العظيم المصري بك) من أعيان مغاغة بالمنيا، الذي اشترى ألف سهم·

– في الثلاثاء 13 أبريل 1920م، نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى “بنك مصر”· كان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من المائة، و26 مساهمًا، جميعهم مصريون، وحُرّرَ بصفة عرفية في 8 مارس 1920م، ثم سُجّل في 3 أبريل، أي بعد أقل من شهر،

وهؤلاء الثمانية هم:

1- أحمد مدحت يكن باشا،

2- يوسف أصلان قطاوي باشا،

3- محمد طلعت حرب بك،

4- عبد العظيم المصري بك،

5- الدكتور فؤاد سلطان،

6- عبد الحميد السيوفي أفندي،

7- إسكندر مسيحة أفندي،

8- عباس بسيوني الخطيب أفندي.

– نص عقد الشركة الابتدائي، على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والكامبيو والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والاعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية، والاشتراك في إصدار السندات، وغير ذلك مما يدخل في أعمال البنوك بلا قيد أو تحديد، وأنه يجوز زيادة رأس المال بقرار من الجمعية العمومية للمساهمين، على أن يقوم بإدارة الشركة أو البنك مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضوًا على الأكثر، تنتخبهم الجمعية العمومية،

– وتم انتخاب مجلس الإدارة المكون من:

1- أحمد مدحت يكن باشا

رئيسا لمجلس الإدارة

2- يوسف أصلان قطاوي

وكيلا

3- محمد طلعت حرب بك

نائب للرئيس وعضو مجلس الإدارة المنتدب

4- الدكتور فؤاد سلطان بك

عضو مجلس الإدارة المنتدب بالإنابة.

أما الأعضاء فهم:

1- عبد الحميد السيوفي

2- علي ماهر

3- عبد العظيم المصري

4- إسكندر مسيحة

5- يوسف شيكوريل

6- عباس بسيوني الخطيب.