بدايةً لا بدَّ من تقرير قواعد مُتَّفقٌ عليها وهي:

-الحكم بشرع الله فرض عَيْنٍ على كل مسلم- والحكم بما أنزل الله يشمل كل حاكم حتى من يقضي بين الصبيان،

وليس خاصَّاً بالحاكم أو القاضي، كما قال ابن تيمية. (مجموع 18170).

-يكفر الحاكم والمُشرِّع بخلاف شرع الله،إنْ استحلَّه أو كذَّبه أو جحد شيئاً منه،أو فضَّل غيره عليه،أو سوَّى بينه وبين غيْره.وهذا بالإجماع.

– لا يصح تنْزيل نصوص عامة نزلت في المشركين، على من ثبت إسلامه.

والأَمْرُ الإلهيُّ بخصوص اجتناب الطاغوت، فقد قال اللغوي الكبير الخليل الفراهيدي في كتابه (العيْن) والمولود سنة 101 هـ بأن المراد به هو: اللاّتَ والعُزَّى.

وقال: ( ويقَالُ للمشركين : عَبَدَةُ الطاغوت والأوثانِ، وللمسلمين : عبّادٌ: يعبدون الله.)

وقال البخاري في صحيحه: قال جَابِرٌ:

«كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا، فِي (قبيلة) جهَيْنَةَ وَاحِدٌ، وَفِي (قبيلة) أَسْلَمَ وَاحِدٌ، وَفِي كلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ، كهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ»

وَقَالَ عمَرُ: «الجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ».

وأما قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}،

فقد صحَّ عن ابن عباس وغيره أنه كفْرٌ دون كفر،كفر لا يخْرِج من الملَّة، وبه قال طاووس تلميذ ابن عباس، وابن طاووس عبد الله، ونقله ابن تيمية عن عطاء، وأحمد،وقال: وهو قول عامة السلف.(مجموع 70350)

ولا يوجد دليل واحد على أن مُراد ابن عباس هو الحكم بمسألة واحدة أو مسألتين.

وأما ما رواه بعض أهل السنن عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَفِي عنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سورَةِ بَرَاءَةٌ:

{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دونِ اللَّهِ}،

قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ، فتلك عبادتهم.

فهو ضعيف،رواه الترمذي من طريق غطَيْفُ بْنُ أَعْيَنَ، وقال عنه: لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الحَدِيثِ.

وقد رواه غيره من طريق أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: سئِلَ حذَيْفَةُ.. وأبو البَحْتري لم يسمع من حذيفة.

 وقال ابن تيمية في الآية: الآية عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا:

أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ بَدَّلُوا دِينَ اللَّهِ، فَيَتْبَعُونَهُمْ عَلَى التَّبْدِيلِ، فَيَعْتَقِدُونَ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ اتِّبَاعًا لِرؤَسَائِهِمْ. فَهَذَا كفْرٌ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسولُهُ شِرْكًا.

والثاني:

أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ بِتَحْلِيلِ الْحَلَالِ وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ ثَابِتًا، لَكِنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُسْلِمُ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْمَعَاصِي الَّتِي يَعْتَقِدُ أَنَّهَا مَعَاصٍ؛ فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ حكْمُ أَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذّنُوبِ.

وعليْهِ:

فلما كان نظام الحكم في لبنان قائماً على المحاصصة الطائفية، وكان تَرْكُ المسلمين للانتخابات ترشُّحاً وانتخاباً، تضييعاً لحقوقنا التعليمية والصحية والإنمائية والخدماتية وغيرها،

واستيلاء غيرنا من الطوائف عليها، فليس من المحرَّم أن تختار الأفضل،

أو الأقل شرَّاً، مع وجود هذه الانحرافات في الأنظمة الحاكمة،

والناس لهم مصالح في حياتهم، ومن الصعب جداً تحقيقها دون دعم سياسي،

وهذا مجرَّب، بل ومتفق عليه بين الناس، ولا ينكره إلا مَنْ كان منعزلاً عن الحياة ومنتظراً للمهدي.

من محفوظ الرحمن

باحث وكاتب، بنغلاديش