إن أغلب المسلمين اليوم يتعاملون مع رمضان علي أنه (زمن) ومن ثم يستعدون لاستقباله ويفرحون لقدومه، كما يحرصون علي وداعه ويحزنون علي رحيله..

لكن الحقيقة أن رمضان ليس (زمنا) فقط وإنما هو -قبل ذلك وبعده- (حالة) يوجدها الشرع في زمن معين،

كي يجدد من خلالها الروابط التي تمثل أعمدة المجتمع وهي الرابطة الإيمانية (من خلال تكثيف الارتباط بالمسجد وصلاة التراويح)

والرابطة الأسرية (التقاء أفراد الأسرة حول مائدة الإفطار وما يعقب ذلك من مجالس الود والتراحم)

والرابطة الاجتماعية (تواصل الجيران والأصدقاء ورفقاء المهنة)..

إذ المتوقع أن كل هذه الروابط تصاب بالضعف والتفكك والتحلل في زمن طغيان المادية وسيطرة أسلوب التملك والاستحواذ علي جموع البشر..

لذلك يأتي رمضان علاجا لهذه الحالة، فيعيد بناء الجسور التي انهارت والصلات التي انقطعت بين طبقات وفئات الأمة ويقدم صياغة مجتمعية جديدة يحيي من خلالها معالم الإنسانية التي اختفت أو كادت أن تختفي…

لا يسعي الفقير للغني

ففي رمضان لا يسعي الفقير للغني كما هو المعتاد وإنما الغني هو الذي يسعي إلي الفقير كي يبره ويكرمه وينشط في البحث عنه والوصول إليه (انظر مشهد موائد الرحمن وزكاة الفطر)

وفي رمضان تكون يد الفقير هي العليا (لأنها المطلوبة) ويد الغني هي السفلي (لأنها الطالبة)..وليس العكس ..

لأن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير..ولذلك كانت يد الفقير هي العليا في هذه الحالة..

ولأنه لا قيمة لليد التي تعطي إذا لم تكن هناك يد تأخذ… وفي رمضان تكون كفارة الفطر لشخص مريض أو عاجز عن الصيام هي نفسها- بأمر الشرع – إعانة لشخص آخر قادر علي الصيام وليس قادرا علي امتلاك الطعام وكل منهما لا يعرف الأخر..

وفي رمضان يتجلي مشهد فريد من مشاهد المساواة بين البشر.. إذ تختلف الموائد وتختلف الأطعمة..

ولكن تمتد الأيدي من كل الأعمار في اللحظة نفسها إلى مابين يديها من طعام.. ربما يري البعض أننا أمام حالة استثنائية مقصورة علي زمن هو رمضان..

لكن الحقيقة أن هذه الحالة هي الأصل الذي ينبغي أن يسود ويشيع بين البشر.. إحياء لمفهوم الأخوة الإنسانية وتحقيقا لمقصد المشرع في خلق الإنسان وتكليفه بالاستخلاف في الأرض..

أما دور رمضان في هذا الشأن فهو إطلاق طاقات البشر نحو العمل والإنتاج والعطاء بإشاعة الحالة الرمضانية التي تظهر رحمة الإسلام بالعالمين..

فاللهم أعنا علي أن نبسط مظلة رمضان لجميع خلقك وفي كل الأزمنة حتى نكون جديرين برحمتك ومغفرتك ورضاك..

#كتاب_غذاء_الروح

من صابر علام

كاتب مصري