يعد «الوعي» أسمى درجات الحياة والوجود؛ إذ يقاس الوجود الإنساني بعدة مستويات:

فهناك الوجود المادي والوجود المعنوي، وهناك الوجود الغافل والوجود الواعي، وهناك الوجود الساكن والوجود المتحرك..

ولكن أعلى هذه المستويات هو الوجود الواعي.. الذي يعنى قدرة الإنسان على فهم ذاته وفهم الآخرين عندما يتعامل معهم في مواقف الحياة المختلفة..

وتشتق كلمة الوعي -في اللغة العربية- من الفعل (وعى) وهو يشير إلى معاني الإحاطة بالشيء وحفظه واستيعابه وتدبره..

وفى الجملة يدل هذا الفعل على حالة إيجابية ويوصف به الأشخاص الذين يتمتعون بسلامة الفهم واليقظة والانتباه..

وفى القرآن الكريم قوله تعالى: (…وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (الحاقة: 12)..

فالأذن هنا موصوفة بالوعي مع أن مهمة الأذن هي نقل الأصوات إلى الذهن..

لكنها أضافت إلى عملية النقل عملية أخرى هي (الوعي بما تنقل) فهي ليست أذنًا عادية.. يؤكد ذلك الفعل (تعيها)

ولم يقل تدركها فجمعت العبارة القرآنية بين الفعل والصفة لموصوف واحد وجاءت بصيغة التنكير (أذن) للدلالة على قلة من يعي من البشر ويتدبر العواقب..

وعلى هذا فإن الوعي خاصية من خواص الإنسان لا يشاركه فيها غيره من المخلوقات وهو يلعب دورًا مهمًا في أحداث التطور الاجتماعي..

ومن هنا يأتي رمضان كل عام لاستعادة الوعي المفقود خصوصًا في زماننا لأسباب كثيرة على رأسها النمط المادي والاستهلاكي للحياة الذي جعل الإنسان يدور في حلقة مفرغة وألقى به في دوامة الحسابات المادية والشواغل اليومية التي أفقدته الوعي والتركيز ومن ثم غفل عن الأهداف الكبرى للحياة…

في رمضان يستعيد المسلم وعيه بثلاثة أمور في غاية الأهمية:

وعيه بالوقت أو الزمن، ووعيه بالبيئة أو الكون الذي يحيط به، ووعيه بذاته الفردية والاجتماعية..

أما وعيه بالزمن فهو أن رمضان شهر لكنه ليس كأي شهر.. هو شهر له مذاق خاص في الذاكرة والتاريخ (رمضانات كثيرة) وهو شهر مقسم إلى أجزاء عشر ثم عشر ثم عشر..

أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران..

وهذا التقسيم من بين أهدافه التشريعية استعادة الوعي بأهمية الزمن لما له من أثر كبير في حياة البشر..

ويظل الوعي بأهمية الزمن فارقًا مهمًا بين التقدم والتخلف..

حيث يقاس الزمن في بلاد العالم المتقدم بالدقائق وفى بلاد العالم المتخلف بالأيام وربما بالشهور والأعوام..

كل ذلك لفقدان الوعي بقيمة الزمن..

من  «كتاب غذاء الروح»

من صابر علام

كاتب مصري