أخبرنا التاريخ أنّ علماء السلاطين لهم فترة زمنية ينتهون بانتهائها.. وهذه الفترة تحددها مصالح السلاطين.. وما إنْ تنتهي صلاحية علمائهم حتى يعملوا على التخلص منهم بطرق مختلفة..ولنأخذ أمثلة من تاريخنا الحديث:

– البوطي:

هذا الرجل ومنذ دخولي بحر العلوم الشرعية وأنا أعرفه في البلاط السلطاني في دمشق..

يدعو له.. يثني عليه..يدخل ذريته الجنة.. ويرافق جثمان الرئيس حافظ إلى القرداحة ليصلي عليه..

ثم جاءت الثورة لتكشفه جيداً.. وكنتُ أستمع لخُطبه إبّانها وهو يمدح النظام وجنده.. ويخيّل إليك أنك تسمع كلاماً عن نظام شرعي يسير على منهاج النبوّة..

وأن النصر حليفه حتماً..

كل هذا باسم الشريعة الإسلامية ونصوصها..

ولما انتهت صلاحية البوطي عند النظام النصيري تخلّص منه قتلاً وتمزيقاً..

– وسيم يوسف:

كل من كان يتابعه يدرك كيف كان يسير مع ابن زايد حيث سار..

ابن زايد مع الثورة السورية.. وسيم يوسف يفتي بخصوص الثورة وأنها جهاد ضد نظام فاجر..

اختلف ابن زايد مع الثورة. وسيم ينتقد الثورة ويجعلها ثورة خوارج لم يأت منها سوى الخراب والدمار..

ابن زايد مع تركيا.. وسيم يشيد بالأتراك عبر تاريخهم، ويمدحهم ويصفهم بصفات ما كانت إلا للخلفاء الراشدين..

ابن زايد ضد تركيا.. وسيم يجعل الأتراك وتاريخهم مليئاً بالسطو والتوسع والتخلف والقرصنة..

كل ذلك باسم الشريعة الإسلامية ونصوصها..

لم يقف عند حد الأتراك، بل تجاوزهم إلى التشكيك بالبخاري.. وهنا صار عبئاً على ابن زايد فتخلّص منه..

– المغامسي:

هذا الرجل حينما تسمع له تخدعك نبرة صوته وطريقة إلقائه؛حتى أنك تشعر أنّ هذا الرجل في مصاف الأئمة الثقات الزُّهّاد..

استمع له وهو يتحدث عن أفعال ابن سلمان..

يتلاعب بالنصوص،والفتاوى من أجل رضا ابن سلمان، فما كان حراماً يصير مختلفاً فيه ليتقرّب من ابن سلمان.

ومن أقام مؤتمراً إسلامياً كما فعلت تركيا ليس فيه ابن سلمان،فهو عند المغامسي مؤتمر يجمع عوامل الفشل من داخله..

وتدرّج في المكانة عند ابن سلمان حتى أغمض عينيْه عن الموبقات المتفق عليها..وظنّ نفسه أنه وصل إلى درجة يحق له فيها أن يطالب بالإفراج عن بعض المعتقلين..

وهنا تجاوز المغامسي حدّه، وارتكب المحظور،فما كان من ابن سلمان إلا أنْ عزله عن الخطابة والإمامة في جامع قُباء،وعيّن مكانه شيخ سلطان آخر..

فعاد المغامسي واعتذر.. ولكن سبق السيف العَذَل..

تلاعبٌ بالنصوص..ومدْحٌ لَفَجَرة فَسَقَة عملاء أعداء الأمّة.. تقرُّباً إليهم.. فكانت النتيجة قتل أو إقصاء..

والأمثلة كثيرة في هذا المجال…

باعوا دينهم من أجل دنياهم.. فخسروا دينهم ودنياهم.

وقد صحّ عن نبينا أنه قال:

إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ.

قال النووي : «(وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ  مَعْنَاهُ :

ولَكِنَّ الْإِثْمَ وَالْعُقُوبَةَ عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ لَا يأثم بمجرد السكوت،

 بل إنما يأثم بالرضا به، أو بأن لا يَكْرَهَهُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ.»

من محفوظ الرحمن

باحث وكاتب، بنغلاديش