يعد رمضان فرصة ذهبية لالتقاط الأنفاس.. وترتيب أوضاع النفس.. واستعادة الوعي المفقود.. وإحياء الوجود الإنساني الحقيقي..

واكتشاف القدرات الكامنة في الأعماق.. في الأيام شديدة الحرارة قبل رمضان بيوم واحد كان لسان الحال يقول: كيف سنصوم في هذا الحر الشديد؟

لكن بعد أول يوم اكتشف الإنسان انه قادر علي تحمل الحرارة..وتحمل العطش..وتحـمل الصداع الخفيف.

وتحمل آﻻم الفقد والحرمان.. والمفاجأة انه تحمل كل ذلك بدون سخط.. بدون غضب.. بدون احتجاج..

لقد كان قبل رمضان يبادر بالاحتجاج إذا تأخر الطعام أو تأخر فنجان القهوة أو الشاي..

أو إذا فقد شيئا مما اعتاده في حياته.. فماذا حدث؟؟..

كيف استطاع اليوم أن يتحمل ما لم يكن يتحمله بالأمس؟؟..

كيـف استطاع أن ينخلع من عاداته المقدسة في كل صباح أو مساء؟؟..

كيف تحكم في رغباته، وسيطر علي احتياجاته..

إنه يشعر بالعطش.. والماء بين يديه.. يستطيع أن يمد يده إليه لكنه لا يفعل ولسان حاله يقول مع عمر الخيام:

يا رب هل يرضيك هذا الظمأ.. والماء ينساب أمامي زلالا.؟!.

تري ما الذي جعله يتقبل( طواعية) أن يتحمل العطش والحرمان من أبسط الأمور (شربة ماء)؟

لقد قيل لأحد الملوك ماذا تفعل لو احتجت شربة ماء قال: أبيع نصف ملكي..

إذن لا شيء يقنع الإنسان بالتخلي عن شربة الماء إلا صوت الله في أعماقه.

أن يقينه بالله فقط هو الذي جعله يتنازل.. وصدق الله إذ يقول: (إلا الصوم فانه لي وأنا أجزي به)..

وليس المقصود أن يكون الصيام فقط لله.. وإنما يكون الصيام بداية الطريق للوصول إلى الله..

وبهذا يعيد رمضان التوازن المفقود لحياة الإنسان الذي أغرقته المدنية المعاصرة بفنونها المختلفة.. في الدعاية والإغراء..

في مطالبها الحسية حتى كادت أن تقتل روحه وإنسانيته.. وهذه احدي منح الإسلام علي الإنسانية في زمن طغت فيه المادية علي كل شيء..

وهنا يصير من حقنا أن نقول:

لو لم يكن عندنا رمضان لسعينا إلى البحث عنه وﻷوجدناه.. ﻷن وجودنا الإنساني-في هذا العصر-لن يتحقق بدون رمضان!

من صابر علام

كاتب مصري