يتناقل أهل السوء عني أنني ضد المذاهب الفقهية الأربعة، وأنني أهملها ولا أعتبرها، رغم أنه لا تخلو دراسة فقهيّة عني من سرد أقوالهم وأدلتهم، ثم ترجيح أحد أقوالهم، وربما أخرج عنهم وفي حالات نادرة إلى أقوال أئمة غيرهم لا تقل قيمتهم العلمية عن الأربعة؛لقوّة أدلتهم..

وأنا في منهجي هذا مُتّبعٌ لأقوال الأئمة الأربعة؛حيث نصّوا على مقولة:

«إنْ صحَّ الحديث فهو مذهبي».

ومقولة «لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكاً ولا الأوزاعي، ولكن خذوا من حيث أخذوا»

وهناك من أئمة الفقه لم يعتبروا الإمام أحمد فقيهاً أصلاً، وإنما اعتبروه حافظاً ومُحدثاً..

ومنهم الإمام الطبري،ومن أجل هذا هَجَمَ حنابلةُ بغداد على منزله،واستغاث بالسلطان..

وللطبري كتاب «اختلاف الفقهاء» لم يذكر فيه أقوال أحمد بن حنبل فيه..

ومنهم الطحاوي أيضاً لم يعتبر الإمام أحمد فقيهاً..

ومنهم ابن الصَّلاح في كتابه “أدب المفتي والمستفتي”.

وذهب قومٌ إلى أنَّ الفقيه الليث بن سعد أفقه من الإمام مالك..

روى الذَهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء» عن الشافعي أنه قال:

اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ.

والليث بن سعد الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ..

ونقل ابنُ أبي حاتم في كتابه «الجرح والتعديل» بسنده عن يحيى بن عبد الله بن بُكيْر يقول: الليث أفقه من مالك، ولكن كانت الحَظْوَة لمالك..

 ونقل الخطيب البغدادي والذَهبي عن إِسْحَاقِ بن راهويْه أنه قال:

إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ: أَبُو عُبَيْدٍ أَعْلَمُ مِنِّي، وَمِن ابْن حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيِّ.

ولم يكن التعصُّب للأئمة الأربعة معروفاً إلا في العصور المتأخرة،حيث أُغْلِق فيه بابُ الاجتهاد، واعتبروا أنَّ الفقه قد توقف عند هؤلاء الأربعة دون سواهم، وخاصةً أنَّ فقههم قد دُوِّن، ووُضِعَتْ له الأصول والقواعد، وأخذ المتمذهبون بالترجيح بين الروايات عن الأئمة، والتخريج عليها.. وكان منهم مَنْ يحفظ أقوال المذهب كما يحفظ القرآن.. حتى أنّي سمعتُ أحد أدعياء الفقه يجزم بأنَّ الحق لا يعدوا الأربعة، وأن الله شاء بأنَّ شرعه ضمن الأربعة..

وهكذا فإنَّ المتمذهبة يفترون على الله الكذب،وعلى أئمة المذاهب نُصْرةً لأهوائهم وأنفسهم..

وكأنَّ ما قاله الأئمة الأربعة من عدم تقليدهم لم يسمعوه،أو أنَّ ما قاله الشافعي نفسه من أنَّ الليث أفقه من مالك لم يسمعوه،وكذا لم يسمعوا بأنَّ أبا عبيْد القاسم بن سلام أعلم من أحمد والشافعي،كما قال ابنُ راهويْه..

وأقبح من هذا كله أنَّ غالبية المتمذهبة يؤثِّمون مَنْ لا يلتزم بمذهب مُعيَّن من المذاهب الأربعة..

وهكذا خدعوا الأُمَّة كما خدعوها من قبل حينما زعموا -كذباً- أنَّ الأشاعرة والماتريدية هم أهلُ السنّة والجماعة.. وأنَّ مَنْ يحمل ما جاء عن الله ورسوله من إثبات صفات الله على ظاهرها كما فعل سلف هذه الأُمة إنما هو مشبِّه ومُجسِّم..

وهم في الحقيقة أهل التحريف والتزوير والبدع والتعطيل والافتراء على الله ودينه والصحابة والأئمة..

والعَجَبُ أنَّ المُتمذهبة في الفقه لا يلتزم غالبيتهم بعقيدة الأئمة في صفات الله، بل يستمدونها من كلام المتفلسفة وأهل الكلام، ويزعمون أنهم أهل السُّنّة، وهم أهل كلام وتفلسف..

يوجبون الالتزام بكلام الأئمة الأربعة في الفقه، ويمتنعون عن التزام عقيدة هؤلاء الأئمة في أسماء الله وصفاته.. تبّاً لهم من قوم ضُلّال، ومنحرفين..

من محفوظ الرحمن

باحث وكاتب، بنغلاديش