(يصف بطريرك موسكو بوتين انه معجزة الرب وقد أرسلته العناية الإلهية لينقذ البلاد).

ربما أكون مهووساً بالتاريخ وإسقاطه على ما يحصل اليوم .

ولكنني لم أجد أن أوربا قد تحررت من الدين رغم علمانيتها.

 ستالين الشيوعي زعيم الماركسية اللينينية قد تسلح بالأرثوذكسية في الحرب العالمية الثانية حتى انه استدعى القساوسة لمباركة الجيش الأحمر الشيوعي.

فحرب أوكرانيا اليوم هي وجه ٱخر للحروب الدينية في أوربا، وان ما يحصل اليوم في الصراع بين روسيا والغرب هو امتداد للحروب الدينية التي شهدتها القارة الأوربية،

ما تشهده أوربا اليوم يمثل صراعا:

هو الصراع على التاريخ والكنيسة حول رؤيتان أرثوذكسيتان متنافستان على إرث المسيحية في روسيا وأوكرانيا.

وبين الأرثوذكسية الروسية التي تريد استعادة مجد القسطنطينية،

وبـين الانجلو سكسون البروتستانت الذين تراجعت هيمنتهم مع بداية أفول القوة الأمريكية.

 وبين روما الكاثوليكية والقسنطينية الأرثوذكسية الغابرة التي انتقلت زعامتها إلى موسكو..

يعيدني مشهد اليوم إلى استحضار حرب الثلاثين عاما ( 1618-1648) بين الكاثوليك والبروتستانت وشملت معظم أراضي الإمبراطورية الرومانية المقدسة وانتهت بتوقيع صلح وستفاليا الشهير، لكن الصراعات والنزاعات بقيت في القارة لمدة تزيد عن الثلاثمائة عام وصولا إلى الحرب العالمية الثانية.

ويمكن للقارئ أن يستحضر بيانات الكنيسة الأرثوذكسية في مباركة الغزو الروسي لجزيرة القرم وإعطاء التدخل الروسي في سوريا شرعية دينية عندما أشادت الكنيسة بالمجهود الحربي الروسي في سوريا، واصفة إياه بـ«المعركة المقدسة».

كما نشرت الكنيسة صوراً لكهنتها وهم «يباركون» الأسلحة المستخدمة في الحرب السورية.

وقد وصف الخبير في الشؤون السياسية الدولية لصحيفة «واشنطن بوست» (أندرو روث)، هذا السلوك قائلا

(ربما لا يرتدي الخبراء الإستراتيجيون في الكرملين، الآن أثواب الحروب الصليبية، إلا أن بوتين يحاول فعل ذلك، عبر ترسيخ نفوذه السياسي بالقومية الدينية، وتركيزه على الكنيسة الأرثوذكسية، بصفتها أحد الركائز الأساسية بالدولة القومية الروسية بعد عقود من القمع السوفيتي).

وأضاف أن الكنيسة الأرثوذكسية تعتبر عاملاً رئيسياً في نشر دعاية بوتين القومية،

ودعم سياسته الخارجية، إذ استعان لتبرير ضمه المثير للجدل لشبه جزيرة القرم بعد انتزاعها من أوكرانيا، والآن يستعين بها للامتداد جنوباً نحو الشرق الأوسط .

وهكذا عندما وصلت الدولة الرومانية إلى مرحلة الشيخوخة استعانت بالمسيحية لتعزيز سلطانها.

وعندما انهارت الشيوعية استعانت روسيا بالأرثوذكسية لبسط نفوذها وهيمنتها.

الحقيقة التي لم يتنبه لها أهل الفكر في جامعات الشرق والغرب تتمثل في أن روسيا اليوم تتطابق مع إيران فيشتركان في منح النزعة الشوفينية القومية العنصرية رداءاً دينياً،

 فإيران تستخدم التشيع كحصان طروادة للتوسع وإعادة الروح للإمبراطورية الفارسية،

 بينما يمزج بوتين بين الأرثوذكسية والنزعة القومية الروسية للتوسع في ما يسمى بالمجال الحيوي لاستعادة مجد القسطنطينية.

من سعيد المرتضي سعدي

باحث الدكتوراه، جامعة شيتاغونغ الحكومية، شيتاغونغ، بنغلاديش مدير، مدرسة الحضارة الإسلامية.