عجبا لهؤلاء الذين لا يطيقون ولا يتحملون أن تظهر أي معان أو صورة من صور القوة للإسلام، وإذا رأوا أي شيء من هذا القبيل سارع فريق منهم لاتهام الإسلام بأنه دين الإرهاب، أما الفريق الآخر المتخاذل المنبطح المسلوب من معاني وجوده، فيسارع إلى إخفاء هذه المظاهر، حتى يردوا عن الإسلام تهمة الإرهاب بزعمهم.

الإمام ابن تيمية كان يقول في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: (مصحف يهدي وسيف يحمي)

ولعل مظاهر أو أقاويل القوة في الإسلام قد صارت طعنا عليه، وسُلمة يؤتى من قبلها، بينما هي في أي كتاب أو دين أو حضارة أخرى غير الإسلام، تعد مظهرا من مظاهر وجوده وعزه وشموخه.

انظر للحضارة الفرعونية، وتحسس مظاهر القوة أو العنف بحسب تعريفهم، لوجدت جدران المعابد التي تترجم لها، تنضح بهذا الشرر الذي يبرر لنا أن نقول إن أردنا أن نقول: إن الحضارة الفرعونية كانت حضارة القسوة والعنف والإرهاب، ويا له من استنتاج وقول يذهل عقول البعض، ويهيج مكامن هلعهم، إذ كيف تنسب مثل هذه الحضارة، بمثل هذه النعوت القبيحة المنفرة، يقولون هذا ويستنكرونه، بينما يرحبون به إذا وُسم به الإسلام.

وإن شئت أن تنظر في اليهودية والنصرانية ففي العهد القديم والجديد، عجبا من مظاهر القوة والعنف، كل هذا مقبول، أما أن يذكر في الإسلام، فهو المصاب والمقتل الذي يسارع أتباعه لمحوه، وكأنه عار يخفونه، ومذمة يتبرؤون منها.. كما يسارع المرجفين بتصيدها ليمسكوا بخناقه.

وكأني بهم أتمثل قول الشاعر:

أحرام على بلابله الدوح * حلال للطير من كل عش

إن كل أمة من الأمم، وكل وطن من الأوطان، إذا حاول الفخر بحضارته وسلفه، فإن عنصر القوة لا يغيب عن الخاطر والذكر، لأنه الذي يحوي معنى العظمة والفداء، لقيام هذه الحضارة وهذا الوطن.

كل شعب من الشعوب اليوم يحيي ذكر أبطاله وقادته، بل يمجد ذكر شهدائه في ميادين الحروب، فلم نسمع تهمة لهذا الإحياء والتمجيد بالإرهاب.

العلمانيون المرجفون عابوا على وزارة التعليم في بلادنا تقريرها لقصة عقبة بن نافع، بحجة تربيتها للأجيال على معاني التطرف والإرهاب، بينما لو قررت عليهم جهاد رميسيس أو كفاح حتشبسوت، لكان ذلك تربية وطنية سامية.!!

أصابني الذهول حينما قرأت عن مطالبات العلمانيين للمملكة العربية السعودية، بإزالة السيف من العلم، حتي تتواءم المملكة مع المرحلة الجديدة، وتنفي عن نفسها تهم الإرهاب والتطرف.. وغفلوا عن كونه من التراث الذي يجسد رحلة المملكة، ومؤسسها لحياة طويلة من الجهاد لقيام هذه الدولة المترامية.

أذكر حينما افتتح مسجد أياصوفيا للصلاة فيه وقام الخطيب وبيده سيف يشير به، كتقليد فقهي قديم، هاجت الدنيا وماجت واتهموا تركيا وحكومتها بالإرهاب والعنف.. وبعد هذه الحادثة انهمرت الصور من بريطانيا وروسيا للمملكة اليزبس وقساوسة الروس، وهم يعمدون الجنود والضباط بالسيوف، وخرس الجميع ولم ينطق بشئ، أما حينما يتعلق الأمر بالإسلام، تهيج الألسنة وتبعث الزيوف.!!

قرأت مؤخرا في أدبنا العربي وصف المتنبي لخيمة سيف الدولة، فقد ذكر أن هذه الخيمة أو القبة التي كانت تُضرب على سيف الدولة، كانت قطعة فنية رائعة، ففيها صورة روضة بديعة وأغصان الأشجار ترفرف عليها طيور لا تنقص عن الطيور الطبيعية إلا بالغناء، وفيها صور وحوش يحارب كل جنس عدوه.

وفي ناحية من الخيمة صورة ملك الروم، وصورة سيف الدولة، وملك الروم يسجد لسيف الدولة، ويخضع له ويتذلل، ويقبل بساطه؛ إذ لا يقدر على تقبيل كمه ويده لارتفاع مكانه، وبين يدي سيف الدولة الملوك متكئين على مقابض سيوفهم من هيبته، ففي ذلك يقول المتنبي:

وفي صورة الرومي ذي التاج ذلة ::: لأبلج لا تيجان إلا عمائمه

تقبل أفواه الملوك بساطه ::: ويكبر عنها كمه وبراجمه

قياما لمن يشفي من الداء كيه ::: ومن بين أذني كل قرم مواسمه

قبائعها تحت المرافق هيبة ::: وأنفذ مما في الجفون عزائمه

فلا شك أن الأدب العربي في رؤية بعض المهاويس، حينما عرض لهذا المظهر من مظاهر القوة، قد سجل ملحمة من ملاحم الإرهاب، التي يجب أن نأسف لها ونتوارى منها خجلا.