روى أحمد وأبو داود والنَّسَائيُّ وغيرهم عن نبيّنا أنه قال: «إذا انتَصَفَ شعبانُ، فلا تَصُوموا».

انتصف أي مضى نصفه، ودخل في السادس عشر منه.

أفادَ هذا الحديثُ النَّهْيَ عن الصيام في النصف الثاني من شعبان..

وظاهرُ النّهي يدلُّ على المنع من الصيام في نصفه الثاني بكل أنواع الصيام.. النَّافلة، والقضاء، والكفارة على السواء.

فما صحة هذا الحديث؟

قال أحمد: هذا حديثٌ منْكَرٌ.. وبمثله قال: يحيى بن مَعين، وأبو زرْعة، وابن مهدي، وأبو حاتم، والخليلي، والأثرم، وابن عبد الهادي وغيرهم..

والحديث المنكر هو ما تفرّد به أحد الرواة، مخالِفاً بذلك الثقات، فقد يتوهَّم الراوي بروايته، وتقع مخالفته لما رواه الثقات..

وهذا الحديث تفرّد به العلاء بن عبد الرحمن.. وهو مخْتلَفٌ فيه بين موثقّ ومُضعِّف.

قال الذَّهبيُّ: العلاء لا ينزل حديثه عن درجة الحَسَن، ولكن يُتجنّب ما أُنْكِر عليه.

ومن أغرب ما أتى به، هذا الحديث.

وقد نقلَ الإمامُ الطَّحَاويُّ الإجماعَ على تَرْك العمل بهذا الحديث..

قال ابنُ رَجَب: صحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وابنُ حِبّان، والحاكم..

وضعّفه مَنْ هو أكبر منهم، وأعلم…

– روى الشيخان: البخاري ومسلم عن نبينا أنه قال:

«لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ»

وهذا يدل على أنَّ للمسلم أن يصوم إلى ما قبل رمضان بيومين.. إلا مَنْ كانت له عادة بصيام يوميْ الخميس والاثنين مثلاً، فوافق قبل رمضان يومَ الاثنين أو الخميس فله أن يصومه..

فهذا يردُّ الحديثَ الأول.. وهو أقوى منه سنداً وأَصَحُّ مَتْنَاً. فكان الأوَّلُ منكراً ضعيفاً..

حديث آخر:

وفي الصحيحين عن عائشة تصف صيام نبينا:

«وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا».

قد يقولُ قائلٌ: هذا خَاصٌّ بالنبي.

قلتُ: الخُصوصية لا بدَّ فيها من دليل.. فأين الدليل على أنَّه خاصٌّ بالنبي.؟؟

فهل يتفق الحديثُ الناهي عن الصوم في شعبان إذا انتصف مع هذيْن الحديثيْن، وهما في الصِّحاح؟

الخُلاصَة: الصوم في شعبان كله جائزٌ حتى قبله بيوم، ولا يقدم رمضان بصيام يوم تطوعاً، إلا مَنْ كانت له عادة من تطوع، أو نذر، أو كفّارة، فليصمه..

من محفوظ الرحمن

باحث وكاتب، بنغلاديش