قبل نشوب أحداث الخامس من شهر أكتوبر سنة ألف وتسعمائة وثماني وثمانين(1988/10/05)، كان الفساد قد استشرى في مؤسّسات الدّولة حتّى النّخاح، وكانت الأزمة قد استفحلت وتسبّبت في غلاء المعيشة وندرة بعض المواد؛ الضرورية لحياة الناس.

وانتشرت طوابير الخبر والزيت أمام المحلاّت والمساحات الكبرى على حدٍّ سوى، وصارت تشترط على المواطنين رخصا من قيادات الحزب الواحد لبيع بعض المواد الغذائية النّادرة… فانفجر الوضع.

وهكذا..

فالمتضرّرون هم دائما من أفراد الشعب الجائع الغلبان؛

هؤلاء الذين لا يجدون مأوى ولا مأكل ولا ملبس، بينما يشتري الجلاّدون،

بأموال-هؤلاء البؤساء- ودمائهم التي تنزف وعرقهم الذي يسيل هباء، ذمم الأقوياء، وصمت العلماء والفقهاء.

وإذا ما قام واحد من هؤلاء المتضرّرين، من أفراد هذا الشعب الجائع الغلبان، بمجرّد التّنديد،

فإن كل الأجهزة تثور ضدّه، بل وتخوّنه وتتّهمه بالعمالة مع الأجنبي، وبالزّور والبهتان.

أليس هذا ما حدث ويحدث الآن في بلداننا المتضرّرة من جرّاء سياسات الأنظمة العميلة التي جثمت على صدورنا منذ أن استولتْ على الحكم؟

لذلك ترى النّاس اليوم في حالة من الهوان بلغ بهم حد اليأس، وضعُف معه أيمانهم بالله، وعظم خوفهم من السّلطان.

وحتى إن الخطاب الديني الذي أصبح يتملّق السّلطان لم يعد ينطلي عليهم، وهم يرون هؤلاء الوُعّاظ يداهنون ويدهنون، ويركبون الموجة مع من ركب؛

والأجور «الشهرية»

التي يتلقّونها إنّما يتقاضونها دون عناء كبير، والسكن المريح المزوّد بكل التجهيزات قذف في قلوبهم الوهن،

والمركبات الفخمة التي يسدّدون ثمنها بالتقسيط جعلتْ شبهة الرّبا تحوم حولهم..

ضعُف أيمان النّاس في ظلّ هذه الخطب البائسة التي يتحاشى فيها الأئمة التعرّض لواقعهم المرير وضعُف يقينهم بالله،

ومنذ زمن والنّاس يصيحون وراءهم: «متى نصر الله، متى نصر الله»

دون أن تحرّك في نفوس وقلوب هؤلاء الأئمّة الوُعّاظ المأجورين الشعور بالظّلم.

ضعُف يقينهم بربّهم وهم يرون المداهنين المتملّقين وغيرهم من الانتهازيين قد استولوا على كل شيء في ربوع وطنهم الغالي؛

استولوا على المال والمناصب، وعلى تجارة العقار والمنقول..

ولم يتركوا لغيرهم شيئا. ضعُف أيمانهم وهم يرون الذين تزعم السّلطة انّهم «من انتخبوهم» يستوردون الحلال والحرام بالعملة الصعبة؛ من أنواع الخمور؛ الويسكي والبيرة والرّيكار.

ومن أنواع حبوب الفياغرا والمقويّات، وحتى المهلوسات وو… دون حسيب أو رقيب. بينما لا يجد ابناء الشعب الجائع الغلبان حق شكارة أو”صاشيّة” حليب، أو كيلو واحد من البطاطا الرخيصة التي غلا شأنها هي والزّيت في هذه الأيّام.

ضعُف يقينهم وإيمانهم بربّهم وهم يسمعون صباحاً ومساءً لغة الخشب، والوعود الكاذبة في الجرائد والتلفزيون،

والقنوات الرّسمية للنّظام الذي ينفق الأموال الطّائلة على انتخابات مزوّرة مسبقا، وعلى المهرجانات الفاجرة والفارغة…

وحينما يتعلّق الأمر بمراجعة الأجر الزّهيد للشّيخ المتقاعد والعامل البسيط، فالمسألة فيها نظر.

ضعُف يقينهم لأنّهم يشاهدون الجنرالات قد خلعوا الزي العسكري والنّياشين ونزلوا إلى الأسواق؛

ينافسون التجّار والفجّار وحتى المجرمين الأشرار في توريد أنواع البضائع والسلع وبيعها.

ضعُف إيمانهم ويقينهم حين رأوا كيف يسوّي القاضي بين من سرق بيضة، ومن أكلوا العباد ونهبوا الوطن.