تتسارع الحرب الروسية على أوكرانيا مع دخولها الأسبوع الثاني حيث تواصل القوات الروسية محاولاتها للسيطرة على المدن الرئيسية، رغم ردود الفعل الدولية الغاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية «مشددة» على موسكو.

ومن الواضح أن الحرب سيطول أمدها خاصة مع فشل المفاوضات لاحتواء الحرب وآثارها المدمرة

فروسيا تكثف من حشد قواتها لتطويق المدن الأوكرانية ومحاولة السيطرة على العاصمة كييف،

وتصب تركيزها على عزل أوكرانيا عن البحر الأسود مع حصارها.

هذا في الوقت الذي تجاوز فيه عدد الفارّين من الاجتياح الروسي لأوكرانيا 1,5 مليون،

مما يخلق «أزمة لجوء تُعَدّ الأسرع تفاقماً» في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية فضلا أن الحرب مرشحة أن تتسع وأثارها قطعا ستصل لدولنا الإسلامية،

والغريب أن أوروبا لم تتعلم من دروس الماضي حيث عاشت مأساة مروعة في القرون الوسطى بسبب الحروب المدمرة،

وقد انخرط الجميع بالقارة الأوروبية في القرن الـ16 في الحرب، مع الانقسام إلى معسكرين رئيسين هما الكاثوليكية والبروتستانتية.

الحرب بين الطرفين استمرت نحو 130 عاما، مارس فيها الطرفان مختلف الجرائم والفظائع،

حتى بمقاييس تلك العصور الغابرة، من قطع رؤوس «الكفار والزنادقة»، إلى إغراق البشر في الماء وحرق الأحياء،

وكما شهدت تلك الحروب، التي فقدت أوروبا فيها ثلث سكانها، إحراق آلاف النساء أحياء بتهمة ممارسة السحر.

لكن بعد أكثر من قرن من الفظائع المتبادلة وصل الأوروبيون إلى قناعة بعدم جدوى الحروب.

فخسائرها الفادحة كانت أكبر مما تتحمله القوى المشاركة فيها، فاتفقوا على الجلوس والتفاوض وتوقيع صلح دائم بينهم عام 1648،

وهو ما يعرف باسم صلح أو سلم «فستفاليا».

استنزاف روسيا في حرب طويلة

هذه التعاسة التي عاشت فيها أوروبا جراء الحروب انقلبت إلى رخاء وتقدم وازدهار بعد وقف تلك الحروب،

ولا ندري كيف فقد الغرب عقله باندلاع الحرب في أوكرانيا وكان في مقدور أمريكا وقادتها السياسيين أن يجلسوا على مائدة الحوار لتدارك مأساة الحرب ومنع تلك الكارثة

لكن من الواضح أن هناك رؤية إستراتيجية تقوم على استنزاف روسيا في حرب طويلة لكنها في المقابل ستلقي بظلال مدمرة على شعوب المنطقة والعالم،

والقيادة الروسية ممثلة في بوتين المتغطرس والمفتون بقوته يذهب بعيدا لاستعادة إمبراطوريتها وهيمنتها على العالم من خلال تلك الحرب..

ربما يحقق شيئا من ذلك لكن على حساب تدمير وخراب العالم وهو ما يعود بروسيا إلى الجاهلية الأولى المعتمدة على حروب لا تبقى ولا تذر..

ربما تكون الجاهلية الأولى أكثر عقلا ورشدا واحتراما للقيم والأخلاق

بل أن الجاهلية الأولى قبل الإسلام كانت تحكمها أعراف وتقاليد عادلة مثل (الدية، القسامة، القصاص) .

فتحكي كتب التاريخ أن رجلا من بني هاشم استأجر رجلاً من قريش من فخذٍ آخر ثم قتله لاعتقاده أنه أهمل في أداء عمله،

وظل الخبر سراً حتى وصل إلى علم أبي طالب عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان آنذاك زعيم بني هاشم،

فتوجه إلى القاتل وقال له: اختر منا إحدى ثلاث:

– إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل (الدية) فإنك قتلت صاحبنا.

– وإن شئت حلف خمسين رجلاً من قومك أنك لم تقتله (القسامة).

– وإن أبيت قتلناك به (القصاص).

هذه قوانين عادلة ومبكرة من الجاهلية الأولى أفضل من جاهلية الغرب اليوم التي تقود إلى مظالم وحروبا تأكل الأخضر واليابس وتحيل حياة البشرية إلى جحيم..

ولذلك فهي في أمس الحاجة إلى الإسلام ..

وهذا ما نتناوله المرة القادمة إن شاء الله تعالى

من د. منير لطفي

طبيب وكاتب