نشر موقع «أليثيا» التابع للفاتيكان، يوم 3/3/2022، مقالا تحت عنوان «بوتين يسعي لاستعادة كنيسة أوكرانيا المستقلة»، بقلم تيبو فان دي بوش.

وعلي الرغم من أن المقال منشور في موقع فاتيكاني إلا أنه يتناول الموضوع من ناحية تاريخية أساسا.

وهو ما سوف أركز عليه بغض الطرف عن تحيزه..

ويبدأ الكاتب بتوضيح أن بوتين، باتهامه كييف بقمع المسيحيين الأرثوذكس التابعين لبطريركية موسكو، فهو يساهم في تفعيل مأساة الانقسام الديني الذي يقوم بإدانته”!

وقضية الانقسامات الممتدة بين الكنائس والتي وصل عددها إلى 350 كنيسة منشقة عقائديا وتمثل مجلس الكنائس العالمي،

فهي من القضايا التي تؤرق الفاتيكان وتمثل الهدف الثاني لقضياه،

إذ أن القضية أو الهدف الأول عنده هو تنصير العالم وفقا لكاثوليكية روما ثم توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما.

وآخر محاولاته مع بطريرك روسيا، كانت منذ عدة أشهر وصدمه البطريرك الروسي قائلا:

إن الخلاف العقائدي بينهما يمتد إلى تسعة قرون ولا يمكنه التغاضي عنها، فهي خلافات عقائدية أساسية.

إنقاذ الأرثوذكس

ومن ناحية أخري نطالع في الخطاب الذي ألقاه بوتين يوم 21/2/2022،

أنه قد أوضح أن أوكرانيا كانت جزءاً لا يتجزأ من العالم الروسي، من روسيا المقدسة.

وأن أحد أهدافه هو إنقاذ الأرثوذكس التابعين لروسيا وتقوم أوكرانيا باضطهادهم..

وفي 24 فبراير، أي بعد ثلاثة أيام بدأ الهجوم الروسي على ثلاثة مواقع في أوكرانيا.

وما يعنيه بوتين بالإشارة إلى الخلاف الديني واستقلاله يرجع إلى أنه توجد أربع كنائس في أوكرانيا تطمع كلا منها في تأكيد أنها تمثل شرعية التراث الديني الأوكراني/الروسي وتطمع في الانضمام للاتحاد الأوروبي. وبذلك تتغير الحدود الروسية.

وبينما تمثل الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية لبطريركية موسكو الأغلبية في شرق أوكرانيا،

فإن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية لبطريركية كييف والكنيسة المستقلة الأرثوذكسية تمثلان غرب أوكرانيا.

كما تري الكنيسة اليونانية الكاثوليكية أنها الكنسية الوحيدة الصادقة الوطنية لأوكرانيا..

أي أن العملية برمتها، من ناحية، عبارة عن صراع على السلطة، ومن ناحية أخري أن بوتين يحمي حدود روسيا التي تتربص بها الكتلة الممثلة في الإتحاد الأوروبي مدعومة بأمريكا.

عملية استرداد سياسي من القيادة الروسية

لذلك، ومن أجل الصراع على السلطة الدينية والسياسية،

فإن الألف سنة من تاريخ الكنائس الأرثوذكسية في أوكرانيا تمثل هذه الحرب عملية استرداد لأوضاع تاريخية سابقة.

كما تمثل عملية استرداد سياسي من القيادة الروسية على أنها جزء سابق يتبعها تاريخيا.

فبتعميد الأمير فلاديمير الأول سنة 988 أصبحت كييف مقر ميلاد الحضارة السلافية الأرثوذكسية.

وفي سنة 991 تم اختلاق البطريركية المسكونية للقسطنطينية.

ونمت الكنيسة الروسية في القرون التالية بحيث أمكنها الاستقلال.

وبذلك تم تكوين بطريركية موسكو المستقلة سنة 1588.

وبعد ضم اتحاد بريست سنة 1595 جزء من أرثوذكس أوكرانيا أصبح ولاءه لروما ليتبع الكنيسة اليونانية الكاثوليكية.

وفي عام 1686 اتبعت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية قيادة بطريركية موسكو.

وفي عام 1919 استقلت كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.

لكن سرعان ما تم قمعها بالنظام السوفييتي فانتشرت في كل من الولايات المتحدة وكندا.

ويمكن تلخيص الموقف وتوضيح معني أن استقلال أي كنيسة يعني سيادتها أرضا واستقلالها بهوية مميزة.

لذلك يجب إضافة أن الكنيسة الأوكرانية تميل للاتحاد الأوروبي وكانت تصارع ضد استقلال منطقة دونباس سنة 2014.

كما أنها تستخدم اللغة الأوكرانية في محافلها الدينية، على عكس اللغة السلافية بالنسبة للكنيسة الروسية.

وتوقفت الأبرشيات التي انضمت لكنيسة أوكرانيا عن دفع جزء من دخلها المالي لبطريركية موسكو.

مفهوم «العالم الروسي»

أما الصراع بين الكرملين والكنسية الروسية فهو على عكس الجانب الأوكراني.

فإن الكرملين وبطريركية موسكو تنميان مفهوم «العالم الروسي» الذي يوازي الحضارة التي تسيطر عليها موسكو،

والمساحة الاجتماعية الثقافية الشديدة الوطنية والتي لا تضم فحسب كلا من روسيا وبيلا روسيا وأوكرانيا، وإنما تمتد حتى حدود أوربا ـ آسيا.

وهي أيديولوجية تعتمد على ثلاثة محاور غير الأرثوذكسية:

الثقافة واللغة الروسية، والذاكرة التاريخية، والرؤية المشتركة للتنمية الاجتماعية.

وفي يناير 2019 أعلن بريرك موسكو قائلا: «أوكرانيا ليست على ضواحي كنيستنا. نحن نلقّب كييف أم كل المدن الروسية.

كييف قُدسنا. فالأرثوذكسية بدأت هناك. ومن المحال أن نتخلى عن هذه العلاقة التاريخية والروحية».

وأصبحت مصالح الدولة هي مصالح الكنيسة والعكس العكس.

وتحت عنوان «قوي الشر»

يوضح الكاتب أن استقلالية الكنيسة الأوكرانية التي تحركها بطريركية القسطنطينية، هي قانونا أول كنيسة للأرثوذكسية.

وقد اعترف بها وباستقلالها عن روسيا كلا من الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية وبطريركية الإسكندرية وكل إفريقيا.

وبذلك فهما ينزعان أوكرانيا من روسيا الكبرى. كما أن الكنائس الأرثوذكسية المستقلة قانونا وإداريا تتحد فيما بينها بإيمان مشترك واعتراف متبادل.

وأهم ما يضعف كنيسة أوكرانيا أنها لا تزال تبحث عن حل لمشكلة شرعيتها على الساحة الدولية.

فهي ضعيفة من كثرة الخلافات الداخلية منذ انسحاب البطريرك فيلاريت من اتحاد أرثوذكس أوكرانيا في يونيو 2019.

كما أنها تعاني من عدم الاعتراف العام من جانب الكنائس الأرثوذكسية المستقلة الأخرى. إذ اعترف بانفصالها عن موسكو ثلاثة فقط من بين 14 كنيسة.

 أو بعبارة أخري:

 قبل 2018 كانت هناك 19000 خورانيه في أوكرانيا، منها 13000 تابعة لموسكو و6000 تابعة للكنيسة المستقلة. وفي نهاية 2008 انضمت 600 خورانيه لكنيسة أوكرانيا وكثير منها انضم تحت الضغط.

 وأيا كانت التعليقات أو القرائن التاريخية فمن الواضح أن العملية برمتها ترتكز في صراع ديني بين الكنائس التي تفتت إلى 350 كنيسة منشقة عقائديا.

وهذه الخلافات جذرية في صلب العقيدة أو في كل جزئية منها.

والغرب الصليبي المتعصب الذي بادر بمساندة أوكرانيا بلا تردد وبصورة لافتة للنظر،

لم يسارع بضم أوكرانيا إلى الإتحاد الأوروبي وفقا لطلبها الشديد السرعة في بداية الأحداث..

وتتلخص محصلة هذا الغثاء الديني السياسي عدة ملاحظات:

أن كل هذه الكنائس المنشقة عقائديا وجميعها يزعم أنه ينتمي إلي المسيح، فإن جميعها يعتمد علي أناجيل ووثائق صناعة كهنوتية؛

وأن مدينة الناصرة لم توجد حتى القرن الثاني عشر؛

والفاتيكان غارق في مبغي وفضائح أخلاقية لم تتوقف ولم يفلت منها،

وأنه لا توجد هناك أية وثائق تاريخية حول يسوع المسيح،

والبابوات علي مر التاريخ سمحوا بمحو الوثائق التاريخية،

والإنجيل ليس كتابا منزلا كما ادّعت الكنيسة فترة ثم تراجعت،

ولا كتابا مقدسا ـ وفقا لأحدث ما ظهر من كتب وأبحاث أذكر منها عنوان «الإنجيل ليس كتابا مقدسا» للكاتب الايطالي ماورو بلينو،

وأن البابوات سمحوا بمحو التاريخ، وآباء الكنيسة كانوا دجّالون،

وأن إثني عشر قرنا من التاريخ المسيحي غير موجود.. وهو جزء ضئيل من الوارد في كتاب توني باشبي الصادر سنة 2008.

                                                   أ.د. زينب عبد العزيز

                                                   4 مارس 2022

من عبد المنعم إسماعيل

كاتب وباحث في الشئون الإسلامية