أشد الأمور رعبا أن يرتكب الإنسان ذنبا دون أن يبالي بعواقبه..

إن بعض الذنوب تستمر أجيالا وقرونا، ويتحمل صاحب ابتكار الذنب آثام كل هؤلاء

(من سَنَّ سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص هذا من أوزارهم شيئا)،

ومن هنا فإن كل جريمة قتل تقع في هذه الحياة يُضاف ذنبها إلى ذنب ابن آدم الأول (فإنه سنَّ القَتْل).

وإن الحاكم قد يحكم بالسوء والظلم عشر سنين -مثلا- لكن عقوبته العادلة تكون بالخلود في النار، لا بعذاب عشر سنين..

ذلك أنه كان يحكم الملايين من الناس، وكان مجرد إهماله ذنبا يترتب عليه ملايين المظالم،

فكيف إذا كان القرار الواحد قد يظلم به الملايين، ثم كيف إذا كان له في اليوم الواحد عشر قرارات مثلا..

هذا إذا لم يؤسس هو لسنة جديدة في الحكم والظلم والقهر يسير عليها من خلفه، والله أعلم متى تنتهي: بعد أجيال أم بعد قرون؟!

لذلك كان رجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الذي دخل مئات الآلاف من الناس في الإسلام في عهده – كان رجاؤه أن يخرج منها كفافا «لا ليَّ، ولا عليَّ»..

الانفتاح في زمن التواصل

ثم جاءنا هذا الانفتاح في نقل الأخبار والتواصل.. حتى صار الإعلاميون ينافسون الرؤساء في حجم الذنوب..

فإن الكذبة تبلغ الآفاق في دقائق، ولا يدري أحد كم يترتب عليها من خوف أو فزع أو مظالم أو شرور..

وقد تعيش الكذبة أجيالا وقرونا إذا لم تسعف الدنيا بنصرة المظلوم وبيان الحق..

ولربما خلدت الكذبة وصارت نبعا دائما للذنوب والآثام التي تتراكم عليه في قبره حتى يزول أثرها وينمحي ذكرها، ولربما لا ينمحي!

ثم صار لدى كل امرئ حسابات على الفيس وتويتر،

وصار يستطيع منافسة الإعلاميين في الكذب والاستهزاء والسخرية والغيبة والنميمة،

واستعمال كل هذه الوسائل في نشر الفواحش أو انتهاك الأعراض المصونة

أو التحريض على الدماء المعصومة أو الشماتة في المقتولين ظلما أو مساندة الطاغية الذي لا تنفعه المساندة أصلا،

وكل ذلك يراكم الذنوب فوق الذنوب فوق الذنوب فيكون هذا المسكين أولى الناس بالحكمة القائلة «يبيع آخرته بدنيا غيره»

ولا أحد يدري حجم الناس الذين وصلتهم كذبة انطلقت من ذهن امرئ جالس في بيته فسارع بكتابتها على الهاتف لتخرج في ثانية إلى العالم كله،

ولا كم من الناس تأثر بها واقتنع، ولا كم من الناس كانت هذه الكذبة دافعة له إلى فعل شر أو منع خير أو ظلم مظلوم أو نصرة ظالم!!

إن لدينا الآن مؤسسات للكذب بمثابة «المحيط المسموم».. في الإعلام والصحافة والانترنت، وصرنا نرى محترفي الكذب والتضليل..

بعضهم يفتنه المال وبعضهم تستهويه شهوة الظهور والشهرة فيكذب ويضل تطوعا لمجرد جلب الناس إليه..

فيا تعس رجل تمتع لحظات ثم صارت ذنوبه تتراكم وتعظم وتكثر في كل يوم وهو لا يدري..

فلما مات فوجئ بهذه الجبال من الذنوب ولم يكن يتوقعها، ثم صارت تزيد عليه وهو في قبره في كل يوم فيزيد بها عذابه حيث لا منجى ولا ملاذ ولا خلاص!!

الحقيقة المؤلمة أننا جميعا قد نكون هذا الرجل!!!