‏بعد المقال السابق؛ كتب إليّ بعض أهل العلم يقول: بالمرة اكتب لنا عن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن..

فقلت: حُبّا وكرامة.. وها أنا أجيبه.. فأقول- بعد حمد الله- خلاصة ما قاله أهل العلم في هذه المسألة..

اتفق جميع العلماء على مرّ العصور الإسلامية على أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن

ليس المراد بها هؤلاء القراء السبعة التي جمع ابن مجاهد رحمه الله قراءاتهم، لأن هؤلاء لم يكونوا وُجدوا أصلا أثناء نزول القرآن..

وقد ذهب العلماء في تفسير الأحرف السبعة مذاهب كثيرة:

فمـنهم من قال إنها لغات وبعد ذلك تضاربت أقوالهم في تعيين هذه اللغات..

وقال بعضـهم: المراد بها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمحكوم والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار..

ومنهـم من قال: المراد بها الأمر والنهي والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر..

ومنـهم من قـال: إنها الوعد والوعيد والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب والتأويل.

والحق أن هذا الكلام كله- كما يقول بن الجزري رحمه الله- غير مقنع لأن الصحابة الذين اختلفوا

وترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا في الإعراب ولا في التفسير ولا في الأحكام إنما اختلفوا في قراءة حروفه.

ولذلك لم أجد من تستريح النفس إلى تفسيره للأحرف السبع مثل ابن الجزري رحمه الله حيث يقول:.. ولا زلت أستشكل هذا الحديث،

وأفكّر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صواباً إن شاء الله تعالى،

وذلك أني تتبعت القراءات كلها صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها، فإذا اختلافهم يرجع إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها،

وهذه الأوجه السبعة هي:

الأول: أن يكون الاختلاف في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو (يحسَِب) بفتح السين وكسرها.

الثاني: أن يكون بتغير في المعنى فقط دون التغير في الصورة نحو (فتلقى آدمَُ من ربه كلماتٌٍ) على ما فيها من القراءات.

الثالث: أن يكون في الحروف مع التغير في المعنى لا الصورة نحو (تبلوا، تتلوا).

الرابع: أن يكون في الحروف مع التغير في الصورة لا في المعنى نحو (الصراط، السراط).

الخامس: أن يكون في الحروف والصورة نحو (يأتل، يتألَّ).

السادس: أن يكون في التقديم والتأخير نحو (فيقتِلون ويُقتلون) على ما فيها من قراءات.

السابع: أن يكون في الزيادة والنقصان نحو (وأوصَى، ووصّى).

علما بأن جماعة كثيرين من العلماء لم يوافقوا ابن الجزري رحمه الله فيما ذهب إليه من تأويل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم

(أنزل القرآن على سبعة أحرف) وذهبوا إلى تأويلات هي على مجموعها قريبة من تأويل بن الجزري.

ولا يفوتني أن أذكّر بأن الأحرف السبعة هدية من الله للأمة بطلب الرسول صلى الله عليه وسلم..

فقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه ذلك وهذا ما يرويه البخاري ومسلم والترمذي عن أكثر من عشرين من الصحابة رضوان الله عليهم..

وعدّه جماعة من العلماء من الأحاديث المتواترة..

 عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: (يا جبريل إني بُعثت إلى أمة أمّيين،

منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط)

فقال جبريل: يا محمد إن القرآن أُنزل على سبعة أحرف.

الرسول أقرأ الصحابة الأحرف السبعة

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئ أصحابه رضي الله عنهم بهذه الأحرف السبعة وكان الصحابة يتناقلونها ويقرأون بها ويقرؤنها..

فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم،

فاستمعت إلى قراءاته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فكدت أساوره في الصلاة، فتصبّرت حتى سلَّم فلببته بردائه

فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال كذبت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، اقرأ يا هشام.

فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه)..

وهذا يبين لك دقّة الصحابة رضوان الله عليهم في الحفظ والضبط والتثبّت..

وإن جاز للعبد الفقير أن يضيف على ما تقدم شيئا فيقول إن الأحرف السبع موزعة بين القراءات المختلفة وليست كل قراءة على حرف واحد..

ففي كل قراءة من الأحرف السبع شيئا.. والله أعلم.

من د. عطية عدلان

مفكر وأكاديمي مصري، مدير مركز «محكمات» للبحوث والدراسات – اسطنبول