لا تضيِّقوا رحمة الله على الموَحِّدين..

اتفق أئمتُنا قاطبةً على أنَّ الإيمان الحق هو التصديقُ بالقلب بمحمد وما جاء به، والإقرارُ باللسان، والعملُ بالجوارح والأعضاء، مع نية صادقة.

ولم يقل أحدٌ منهم إنَّ الإيمان القلبي، والإقرار اللساني يجزئ عن العمل..

وأجمعوا على تضليل القائلين بأنَّ الإيمان وحده يكفي لدخول الجنة دون عذاب، واعتبروا أنَّ أصحاب هذا القول رادِّين للآيات والأحاديث الآمرة باتباع ما أمر الله به ورسولُه.. ومن ردَّ هذه النصوص فقد كفر.

وكلهم متفقون على أنَّ أصحاب الكبائر من عصاة التوحيد غير مخلَّدين في النار.

وأما مّنْ آمن بقلبه، واعترف بلسانه، وصدّق بالأوامر التي جاءت في شريعة الله، وأقرَّ بأنه مقصِّر مع ما أوجبه الله عليه، ومع ما نهاه الله عنه.

ولم يقُم بها ومات. فهل يخلَّد في النار.؟ أم أنه يعذَّب إلى ما شاء الله،ثم يخرج منها إلى الجنة.؟

أولاً: هذا ليس قول المرجئة،فهم يقولون يجزئ الإيمان عن العمل..

ومسألتنا فيمن قال: لا يجزئ الإيمان عن العمل، ولكنه آمن وأقر بمعاصيه ومخالفاته للشرع، ولم يعمل به..

ثانياً: أدلة من قال إنَّ هذا الموقف لا يوجب خلوده في النار:

بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).

قال ابن كثير: أَيْ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِعَبْدٍ لَقِيَهُ وَهوَ مشْرِكٌ بِهِ،وَيَغْفِرُ ما دونَ ذلِكَ، أي من الذّنُوبِ لِمَنْ يَشاءُ،أَيْ مِنْ عِبَادِهِ.

ومن السّنّة الصحيحة:

 أ) «كلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا..».

ب) قالَ رَسُولُ اللهِ: «وَيَا عَبْدِي إِنْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ (ملء) الْأَرْضِ خَطِيئَةً، مَا لَمْ تشْرِكْ بِي، لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً».

ج) «مَا عَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ تَمُوتُ لَا تشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى قَلْبٍ موقِنٍ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهَا».

د) يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:

«شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حمَماً». أي فحْماً.

هـ) «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ.(أي أخرجوه من النار).

ز) ثمَّ أَخِرُّ لَهُ (أي لله) سَاجِدًا، فَيقَالُ لِي: يَا محَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقلْ يسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تعْطَهْ، وَاشْفَعْ تشَفَّعْ،

فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أمَّتِي أمَّتِي،

فَيقَالُ لِي: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ».

الخَرْدَل: واحدتُها خَرْدَلة.يضْرب بها المَثَل في الصِّغَر. أي قليل جداً.

كل هذه النصوص تؤكد أنَّ مَنْ مات على التوحيد، وكان عاصياً لله ومرتكباً للكبائر، فإنَّ رحمة الله ومغفرته تشمله بعد عذابٍ لا يعلمه إلا الله.

 وإنْ لم يعمل خيراً قط.. أو كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان..

قال ابنُ تيميَّة:

«نصُوصُ الْكِتَابِ وَالسّنَّةِ مَعَ اتِّفَاقِ سَلَفِ الْأمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا متَطَابِقَةٌ عَلَى أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مَنْ يعَذَّبُ،

وَأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِي النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ».

كل هذا فيمن مات على التوحيد، وكان يعتقد أنَّه عصى الله فيما أوجبه عليه، أو حرَّمه عليه.

وهذه نصوص صحيحة صريحة، وإذا صحَّ النَّصُ، فلا يلتفت إلى قولِ أحدٍ كائنا مَنْ كان..

وهذا هو اعتقاد الألباني المُتَّهم بالإرجاء زوراً..

وفي هذا دليل على سعة رحمة الله وفضله على المُوَحِّدين المُعترفين..

من محفوظ الرحمن

باحث وكاتب، بنغلاديش