أنا مغربي، ليس لي أي صلة مذهبية، ولا جغرافية، ولا عِرْقية: بابن تيميَّة-رحمه الله-؛ فنحن في (المغرب) مالكية، والمغرب سادت فيه العقيدةُ الأشعرية إلى الآن.

و(المغرب) بعيدٌ كُلَّ البُعد عن المذهب الحنبلي، وعن ابن تيميَّة… إلخ…

ولم يسبق أن كتبتُ بحثًا، ولا مقالاً، ولا صفحة عن ابن تيميَّة، ومع ذلك: أنا أقول- بهذه الصِّفات البعيدة، والجديرة-أظنُّ- بالموضوعية والتَّجرُّد-:

أنَّ ابن تيميَّة هو أحد كبار أئمة الإسلام والمسلمين.

بالنسبة لي: لا أجدُ غَضاضةً في أن يكون موضوعًا جنبًا إلى جنب مع مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، والشافعي- وأضرابهم- مِن هؤلاء القلة القليلة من كِبار أئمة الإسلام-.

وهو أحدُ العمالقة المعدودين-مِن حيث تبحُّرُهم-، وعملاقٌ من العمالقة المعدودين على رؤوس الأصابع- مِن حيث التبحُّرُ في علوم الشريعة، في علوم النقل والعقل، في علوم المنطق، في العلوم القديمة، في العلوم الحِكْمية، في علوم اللُّغة- في جميع العلوم-يعني: موسوعة غريبة، وموسوعة مُدهشة.

مِن العار أن يتطاولَ عليه بعضُ الناس..للأسف!

للأسف؛ كيف يَغْتَرُّ الناس؟!

وكيف يَضِلُّون إلى هذه الدَّرجة؟!

بالإضافة إلى هذا:

ابنُ تيميَّة -كما هو معلوم، وبلا منازع، وبلا تنازع- هو مجدّد القرن الثامن- بلا منازع-، يعني: المجدِّد الذي لا يقف إلى جانبه أحدٌ- إذا كان ابن تيميَّة يمكن أن يوضَع ويقف إلى جانبه الأئمة الذين ذكرتُهم-.

فابنُ تيميَّة في زمانه- وما بعد زمانه-: لا يقفُ بجانبه أحدٌ، ولا يطاولُه أحدٌ في علمه، وتبحُّره.

ولكنَّه ذو صفةٍ خاصة في تجديده.

بل أنا أزعم شيئًا آخر، وهو:

أنَّ ابن تيميَّة هو مجدِّدُ هذا العصر-الذي نحن فيه-.

وأنا- في تتبعُّي الطويل- بحكم الاختصاص، والتعامل التلقائي مع التراث الإسلامي، ومع الكتابات المعاصرة، ومع البحوث، والرسائل، والأطروحات الجامعية، ومع الحركات الإسلامية-: أعرف أنَّ ابن تيميَّة هو العالم الأكثرُ حضورًا-الآن- في العالم الإسلامي-كلِّه-.

وفي العالم العربي-بصفة خاصة-:

هو أكثر حضورًا مِن الإمام مالك، وأبي حنيفة.

هو أكثر تَأْثيرًا مِن الإمام أحمد، ومن الشَّاطِبي، ومِن ابن العَرَبي، ومِن الغَزَالي.

فلذلك أقول:

ابن تيميَّة هو مرجعُ كثيرٍ مِن مراجع هذا العصر، ومجدِّدٌ كبير مِن مجدِّدي هذا العصر.

كلمةٌ أخيرة، هي:

أنَّ ابن تيميَّة كان رَجُلًا مجاهدًا؛ باعتبار أنَّ كتاباتهِ-كلَّها- كانت منافَحاتٍ، وصِراعاتٍ، وجَدلًا، ودفاعًا، ومناهضةً، وذبًّا عما يعتقدُه الحقَّ والإصلاحَ.

فهو عالمٌ مجاهد بعلمه، ولم يكن عالماً محايدًا، ولا مختفيًا، ولا يكتب فيما لا أساسَ له في الأرض،

وفي الواقع؛ فهو كان يجاهدُ، ويدافعُ، ويصارعُ، ويعرِّض نفسَهُ للمَخاطر، والعَداوات، والخصومات.

بالإضافةِ إلى جهاده في الميدان، ومع الجيوش-كما هو معروف-؛ فهو مِن قَلائلَ- مِن هذا المستوى-:

الذين لم يَشْغَلْهُم عِلْمُهُم وتآليفُهم عن النّزول إلى الميدان، والخوضِ في المجتمع، وفي متطلَّباته، وفي الجبهة الجهادِية.

هذه كَلِماتي عن هذا الإمام -رحمة الله عليه-


من د. أحمد الريسوني

فقيه مقاصدى ومفكر مغربى أستاذ أصول الفقه مقاصد الشريعة بجامعة قطر، والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.