كتبتُ مقالا عن مكانة الألباني العلمية في الحديث، فهاج غِلْمانٌ جَهَلَة وماجوا، وانتقدوه بأشياء يجهلون مدلولاتها وحقيقتها وهي:

أولاً: يضعّف أحاديث صحيحة، ويصحح أحاديث ضعيفة..

قلتُ: هذا كلامُ أناسٍ يجهلون واقع وحال الحفَّاظ والمحَدَثين..

لقد انتقد أئمةُ الحديث قديماً الحافظَ الكبير ابن حَبّان المتوفى: 354هـ، صاحب كتاب الصحيح الذي يحوي 7491 حديثاً..

وانتقدوا أيضاً الحاكم الإمام أبو عبد الله محمد المتوفى سنة 405 هـ صاحب كتاب المسْتدرك والذي حوي 8803 حديثاً.

قال الخطيب البغدادي عنه:

أنكر الناسُ على الحاكم أحاديث زعم أنها على شرط الشيخين.

وقال الذهبي عنه: إنه إمام صدوق، ولكنه يصحح في مسْتدركه أحاديث ساقطة.

وقالوا عن ابن حبان: وهو واسع الخطو في توثيق الرجال، متساهل في التصحيح.

وكذا قالوا عن الحافظ الترمذي فيما يحسّنه أو حتى فيما يصححه أحياناً..

ومع هذا كله لم يقل واحدٌ من الأئمة بأنه لا تقبل رواياتهم،

بل قالوا بقبولها بعد الاطِّلاع على رجال أسانيدها، ومعرفة أقوال أئمة الجرح والتعديل فيها..

وهذا الحافظ الدار قطني المُتوفَّى سنة 385 هـ قد ألّف كتاباً بعنوان: ( الإلزامات والتَّتبُع ) يقول في مقدمته:

ابتداءُ ذِكْر أحاديث مَعْلُولة اشتمل عليها كتاب البخاري ومسلم أو أحدهما،بيَّنتُ عِلَلها والصواب منها.

وقوله (معلولة) أي فيها عيب خفيّ،لم يطَّلع عليه البخاري ومسلم.

وقد أحصى ابنُ حجر هذه الأحاديث فبلغت معه 210 أحاديث..

لم يطعن أحد بما فعله الدار قطني، بل أخذوا منه ما أعلّه وحاوروه فيه، ومنهم من برَّر للشيخين..

ولم أجد على الإطلاق أنَّ الألباني كان يصحح، أو يضعّف بالهوى والرغبة الشخصية، بل ألفيتُه ينقل كلام كبار الأئمة.. ومع هذا فأنا أخلافه في أماكن،

وأوافقه في أماكن أخرى بالمنهج ذاته الذي كان يتبعه.. وهو الاستدلال بكلام الأئمة الكبار،في القواعد والتوثيق والتجريح..

وحينما ينتقد ابنُ عثيمين، أو غيرُه الألبانيَّ في أحاديث، فهذا لا يغضّ ولا يقلل من قيمته وجهده عندهم، كما انتقد الأوائلُ الحاكم، وابن حبان، وحتى الشيخين دون أي تقليل من شأنهم أو مكانتهم..

وسئل ابن عثيمين عن الألباني فقال: مثلي لا يتكلم عنه،لأنه أعلم مني وأنفع للأمة.

الدر الثمين في ترجمة ابن عثيمين ص 240.

الخلاصة: الألباني إمام عصره في الحديث، رغم أنوف الغلمان.

(يتْبع).

من محفوظ الرحمن

باحث وكاتب، بنغلاديش