انتقد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحافظ الصاوي انفراد البنك المركزي التركي بتسيير شئون الاقتصاد مع استبعاد الهيئات والمؤسسات بشكل اثر بالسلب علي مجمل الأوضاع واضر بشدة بالليرة وتسبب في تراجع سعر صرفها أمام الدولار.

وقال الصاوي في حوار له مع جريدة «الأمة الإليكترونية»:

إن استعادة الليرة التركية ونجاح حرب الرئيس اردوغان ضد سعر الفائدة يتطلب الانخراط في حزمة من السياسات الاقتصادية

منها إعادة الاعتبار لقطاه السلع والخدمات والكف عن الرهان علي اقتصاد الفائدة وتقييد الاقتراض الخارجي للقطاع الخاص التركي.

نبه إلي أن العديد من السياسات التي تبنتها حكومات العدالة والتنمية، انطلاقا من اعتبارات الأمن القومي التركي سواء في سوريا والعراق في شرق المتوسط

وشراء منظومة أس 400 ودعم ثورات الربيع العربي ضد ألحقت أضرارا بالاقتصاد التركي

لكن الحكومة التركية لم يكن أمامها خيارات أخرى في هذه القضايا التي تصر بالأمن القومي التركي.

ودعا الدكتور عبد الحافظ الصاوي الحكومة التركية للكف عن الرهان علي اقتصاد العلاج بالصدمات

باعتباره خيارا مؤقتا ولا يصلح للعمل لفترات دائمة

بل إنه يدفع بالمستثمرين علي الاستفادة من سعر الفائدة والكف عن الرهان علي الاستثمار في القطاعات الإنتاجية وتحويل مدخراتهم للخارج عند أول أزمة.

الحوار مع الخبير الاقتصاد  الدكتورعبد الحافظ الصاوي تطرق للعديد من القضايا نعرضها بالتفصيل في السطور التالية

♦ توجه انتقادات للسياسة النقدية التركية ودورها في أزمة تراجع سعر صرف الليرة؟

لا توجد دولة تكون إدارة الاقتصاد حصرًا في مؤسسة واحدة،وهي في الحالة التركية «البنك المركزي»

ويتم استبعاد المؤسسات الأخرى المتمثلة في وزارة المالية والتجارة والاستثمار والقوي العاملة،

فضلا عما تضمه هذه الوزارات من جهات حكومية وغير حكومية،

وهو وضع يجب تصحيحه بمشاركة هذه الوزارات في وضع السياسة النقدية والمشاركة في تنفيذها لتضمن التنسيق فيما بينها، لتحقيق المصلحة العامة..

فلو كانت مثلا 5 مكونات للسياسة الاقتصادية منها 4 فروغ تحقق نتائج ايجابية وخامس يخسر،

فهناك إمكانية لتعويض هذه الخسائر عن طريق الدعم الحكومي أو سبل أخري،

ولكن لو نظرنا للسياسة النقدية المتعلقة بالبنك المركزي التركي لرأينا أنها سياسة صادمة،

فمثلا أسعار الفائدة وصلت في بعض السنوات إلى 24% ثم وجدناه تتراجع إلى 8% ثم تصعد الي 19% وهنا نحن أمام سياسة العلاج بالصدمات.

♦اعتبارات الامن القومي  وسياسات المحور ضد تركيا حملت تاثيرات سلبية علي الاقتصاد♦

♦ لكن سياسة العلاج بالصدمات حققت نجاحا في بعض الدولة وأقالت اقتصاديات من عثرتها؟

هذه السياسة قد تفلح في بعض الأوقات لكنها لا يمكن أن تكون سياسة دائمة،

 لاسيما أنها أضرت جدا بقطاعات مهمة في الاقتصاد التركي منها العقارات والزراعة،

حيث يفضل المستثمرون في تلك الأوضاع وضع أموالهم في البنوك والاستفادة من الفائدة العالية،

ثم تحويل مدخراتهم إلى الدولار أو الخروج من السوق بشكل كلي،

دون الوضع في الاعتبار طبعا مدي الأضرار التي تصيب الاقتصاد ساعتها من عمليات الخروج المتسارعة.

أزمات الاقتصاد سياسية في المقام الأول

♦ غير أن هناك وجهة نظر أخري تري أن أزمة الاقتصاد التركي مبعثها في الأساس سياسي؟

لا شك أن التطورات علي الصعيد السياسي كان لها دور فيما ألت إليه أوضاع الليرة ا لتركية من تراجع،

فاعتبارات الأمن القومي التركي لعبت دورا في دفع تركيا لتبني سياسات معينة،

وأدخلتها في صراعات أدت لفرض عقوبات اقتصادية أضرت بالاقتصاد التركي،

فمثلا رفض تركيا لإقامة دولة كردية في شمال سوريا أو العراق باعتباره يشكل تهديدا للأمن القومي عبر القيام بحملات عسكرية في البلدين.

وكذلك كان موقف تركيا الداعم لثورات الربيع العربي، حدا بدول بعينها لتشكيل تحالفات واتخاذ إجراءات لمواجهة المشروع التركي،

أضرت تلك التحالفات بالاقتصاد وأثرت بالتالي في تراجع الليرة،

ناهيك عن أن اعتبارات الأمن القومي التركي التي دفعت أنقرة للاصطدام بالمشروع الأمريكي عبر التصميم علي الحصول علي منظومة أس 400 الروسية الصنع،

وهو ما تجدد مع أزمة احتجاز تركيا للقس الأمريكي في عهد ترامب وتهديد الأخير بتدمير الاقتصاد التركي، وتأثير ذلك علي وضع الليرة..

ناهيك عن الإجراءات التي اتخذت عقب محاولة الانقلاب العسكري في تركيا ضد بعض التنظيمات،

التي تعمل ضد المشروع التركي بشكل كانت له تداعيات سلبية علي الاقتصاد التركي.

♦♦ نجاح حرب اردوعان علي سعر الفائدة يفرض إعادة الاعتبار لاقتصاد السلع والخدمات وتقييد الاستدانة من الخارج ♦♦

كذلك دخلت تركيا في مواجهات شرق المتوسط وفي ليبيا مما اثر علي الاقتصاد التركي والليرة؟

♦♦ وكذلك موقف تركيا من مخطط شرق المتوسط، ومحاولة تهميشها هي وقبرص التركية، بعيدا عن ثروة الغاز الطبيعي،

وحرص تركيا على توازن في علاقاتها الخارجية، وكونها قوة إقليمية لا يجب تجاهلها من قبل القوى الدولية.

وفي ظل هذه الانهيارات ما سبل وقف تدهور الليرة؟

سعر صرف الليرة شهد تراجعا ملحوظا حيث كان سعر صرفها عام 2013، 1.8 ليرة مقابل الدولار،

ووصولها خلال الأشهر الأولى من عام 2021 إلى 7.35، ثم صعودها 12 ليرة، ثم 17 ليرة مقابل الدولار

وهو ما يوضح كيف أثرت السياسات النقدية والمواقف السياسية علي سعر الليرة، الأمر الذي يمكن علاجه وفقا للسيناريو الروسي..

 فقد شهدت العملة الروسية الروبل تقلبات عديدة،

فقد كان سعره يقف عن سقف 38 مقابل الدولار،

ولكن بفعل دخول القوات الروسية أوكرانيا واحتلالها لشبه جزيرة القرم

واشتعال الصراع بين موسكو وواشنطن والعواصم الغربية تراجعت العملة الروسية ووصل سعر صرف الروبل لـ 72 مقابل الدولار.

أزمة الروبل الروسي والليرة التركية

ولكن كيف تعاملت روسيا مع الأزمة التي تعرضت لها الليرة؟

♦♦ لقد تعاملت روسيا بنوع من التريث وترقب ظروف سياسية واقتصادية تمكنها مع إصلاح وضع الليرة

حيث حدث الارتفاع الأخير في سعر النفط واستثمرت الحاجة الأوروبية للغاز الروسي

والرغبة في خطب ود موسكو لتضمن مرور فصل الشتاء بدون أزمات في الكهرباء والغاز في تحسين الاحتياطي النقدي الروسي

الذي تجاوز ٦٠٠ مليار دولار مما أسهم في تحسن وضع سعر صرف الليرة.

♦♦ السيناريو الروسي قادر بشروط علي إنقاذ الليرة التركية واعادتها للمسار الصحيح ♦♦
الليرة التركية

♦ كيف يمكن لتركيا أن تستفيد من هذا السيناريو الروسي كي تستعيد الليرة التركية عافيتها؟

الوضع في تركيا يمكنه الاستفادة من السيناريو الروسي حال النجاح في تكراره

بحيث تستطيع أنقرة في استعادة قوة عملتها المحلية عبر معدلات استثمار عالية في الاقتصاد الحقيقي في قطاعي السلع والخدمات

بخلاف الاعتماد علي اقتصاد الفائدة وسعر الصرف والبورصة والديون.

♦ شن الرئيس التركي حملة شعواء علي أسعار الفائدة ما هي احتمالات نجاح هذه السياسة؟

لا يوجد عامل واحد حاسم لتفسير الظواهر الاقتصادية إيجابا وسلبا، فإذا كان الرئيس أردوغان يرى أضرارا لارتفاع سعر الفائدة على اقتصاد بلاده،

 وأنه من صالح الاستثمار والتوظيف خفض سعر الفائدة، فعلى صانعي السياسة الاقتصادية ببلاده، أن يعدوا الحزمة اللازمة لنجاح هذه الرؤية، من خلال:

تقليل فاتورة الواردات والاعتماد بنسب كبيرة على الموارد ومستلزمات الإنتاج المحلية

والحد من تدفق الأموال الساخنة من الخارج فضلا عن ترشيد اقتراض القطاع الخاص، بما يتناسب مع قدراته التمويلية ونشاطه الاقتصادي.

سياسات الصدمة المتبعة من قبل المركزي التركي  اضرت بشدة بقطاعات الزراعة والعقارات

تراجع اسعار صرف الليرة يضرب الاستثمارات الاجنبية في مقتل ويزيدالاعباء علي المواطنين

• هـل هذه السياسات حال اتخاذها قادرة علي إنقاذ الليرة والاقتصاد التركي بشكل عام؟

الرئيس أردوغان، يري أن وصول سعر الفائدة إلى 24% أو 19%، معوق للإنتاج والاستثمار،

ويدفع الأفراد والمؤسسات إلى أن يضعوا أموالهم في البنوك، ويغلقوا الشركات والمؤسسات،

مكتفين بما يأتيهم من فوائد على أموالهم وبلا شك أن هذا السلوك، يحول الاقتصاد التركي إلى اقتصاد ريعي، ويفقده أهم مقوماته كاقتصاد إنتاجي..

لذا فمن المهم لنجاح هذه التصورات أن تعمل السياسة الاقتصادية على توفير فرص للاستثمار،

يمكنها استيعاب الأموال المتاحة في السوق، لمنعها من التوجه للمضاربات بالبورصة أو على سعر العملة،

أو في الأنشطة المتعلقة بالعملات المشفرة أو الفوركس وأشباهها.

 

 

من د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن