مما لا ريب فيه أن ما يحصل من تفجيرات واغتيالات في كثير من البلدان أمر مؤسف ومحزن،

فهؤلاء الذين يفعلون ما يفعلون من تفجيرات واغتيالات؛ هم جَنَوْا على أنفسهم، وهم فريسة أفكار غير نقية،

ونتيجة لإغواء الشيطان، وتزيينه الإفراط والغلو لمن حصل منهم ذلك،

فبأي عقل ودين يكون جهادا قتل النفس بغير حق، وترويع الآمنين، وترميل النساء، وتيتيم الأطفال، والتدمير والتخريب؟

فحقيقة الأمر أن ما يفعله هؤلاء زعما منهم أنه جهاد في سبيل الله، ما هو إلا إساءة إلى الإسلام وأهل الإسلام، فماذا أنتج هؤلاء؟

هل أقبل الكفار على الإسلام بفعلهم هذا؟ أو ازدادوا نفرة منه؟ ازدادوا نفرة منه،

والإسلام بريء منهم، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منهم،

وهذا الفعل تصرف من صاحب فكر منحرف، وعقيدة ضالة،

فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحسب عمله على الإسلام،

ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، والمتمسكين بحبل الله المتين.

فهذا العمل محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة،

ولهذا جاءت النصوص الشرعية قاطعة بتحريمه، محذرة من مصاحبة أهله، قال تعالى:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهوَ أَلَدُّ الْخِصَام

وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيفْسِدَ فِيهَا وَيهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ

وَاللَّهُ لَا يحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}

(البقرة: 204: 206)،

وقال تعالى:

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يقَتَّلُوا أَوْ يصَلَّبُوا أَوْ تقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ ينفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ

ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(المائدة: 33).

التفجيرات والاغتيالات لها من المفاسد

ولا شك أخي القارئ الكريم أن هذه التفجيرات والاغتيالات لها من المفاسد والآثار السيئة الكثير والكثير منها على سبيل الذكر لا الحصر:

(مستفاد من كتاب فتنة التفجيرات والاغتيالات)

1- أن هذه التفجيرات والاغتيالات تزهق أرواح الأبرياء، ومنهم أطفال وشيوخ ونساء، وتقتل أنفسا معصومة الدم بالإسلام، والله -عز وجل- يقول ناهيا عن ذلك:

{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء: 93)،

وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29)،

وقال صلى الله عليه وسلم: [لا يحل قتل امرئ مسلم، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة]

(البخاري: 6876، ومسلم 1676)،

وقـال صـلى الله عليـه وسـلم: [لزوال الدنيا؛ أهون على الله من قتل امرئ مسلم بغير حق] ( صحيح الجامع: 4953).

2- إن هذه التفجيرات تهدم البيوت، وتفسد المصالح والمنشآت العامة، وتهلك أموال المسلمين، وهذا مما أجمع على تحريمه،

فالمسلم معصوم المال والدم والعرض، إلا بحق الإسلام وحسابه على الله تعالى،

قال صلى الله عليه وسلم:

[إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا فليبلغ الشاهد الغائب..]

وكان هذا في حجة الوداع يوم الحج الأكبر.

3- أن هذه التفجيرات والاغتيالات تقتل عددا من غير المسلمين المستأمنين في بلاد الإسلام،

وقد قال صلى الله عليه وسلم:

[ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا..]

(البخاري 6755، ومسلم 3314)،

فقوله: [فمن أخفر مسلما] معناه: أي نقض عهده، وخاس به، وغدره.،

ومعنى: [ذمة المسلمين واحدة]: يعني: عهدهم واحد، إذا عاهد أحد من المسلمين ممن لهم ولايات العهد، ثم خفر ذمته أحد، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

تزعزع الأمن والاستقرار

4- أن هذه التفجيرات تزعزع الأمن والاستقرار، وتنزع الطمأنينة والهدوء، وتثير الرعب والفزع بين الناس.

5- أن هذه التفجيرات تصد الناس عن سبيل الله، وتُنفر من أراد أن يدخل في الإسلام، وتضعف حجة الدعاة إلى الله في بلاد الشرق والغرب.

6- أن هذه التفجيرات يتذرع بها المتربصون بالإسلام وأهله في الداخل والخارج، ويُنفقون من وراءها بضاعتهم الكاسدة، وعقائدهم الفاسدة.

7- أن هذه التفجيرات جلبت الضغوط على المسلمين في كل مكان، مما جعل الكثير من المسلمين يسيئون الظن بدينهم وعلمائهم، بل إن بعضهم يخجل من كونه مسلما.

8- أن هذه التفجيرات أثارت جدلا علميا واسع النطاق بين طلاب العلم، بين معارض ومنتصر،

فنتج عن ذلك اختلاف وتهارج، وساءت الظنون، وتجرأ الصغار على الكبار، والحدثاء على العلماء،

واشتغل كثير من طلاب العلم بذلك مدحا وقدحا، فتعطلت كثير من العلوم، وضعف الإيمان، وقل العمل، وكثر الجدل،

وتنافرت النفوس، واستوحشت القلوب، وشك هذا في ذاك، وارتاب ذاك من ذلك، وضلت الأفهام، وحارت الأحلام، واختلطت الآراء والأحكام.

ولا شك أيها القارئ الكريم أن مشكلة التفجيرات والاغتيالات داء خطير، فحريٌ بأهل العلم والغيرة على الدين وتماسك هذه الأمة؛

أن يعيروا هذه المشكلة حقها من النظر والدراسة، لعلاجها علاجا صحيحا، إذ هم الجهة المأمونة الموثوق بها في العلاج.

ولعلي ألقي الضوء عن كيفية العلاج لهذا الداء العضال «التفجيرات والاغتيالات» في المقال القادم إن قدر الله لنا البقاء.

فالله أسأل أن يكون ما حدث في كثير من البلدان من تفجيرات واغتيالات خاتمة الشرور المماثلة، وأن يكون تذكرة لأولى الألباب،

وأن يراجع كل عاقل نفسه، وأن يتوب كل مذنب من ذنبه، فيا دعاة هذا الفكر المنحرف،

اتقوا الله في الأمة وشبابها واحذروا إحياء السنن السيئة، وبثها في الناس،

واتعظوا بما نزل بالأمة قديما وحديثا بسبب العجلة، وعزة النفس المزعومة التي تفضي إلى قبول الذل والهوان بعد ذلك والله المستعان.

وهذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،