كتب – أبوبكر أبوالمجد

ربما ظن المتابع لمجريات الأحداث بين البلدين الواقعتين في منطقة القوقاز -أذربيجان وأرمينيا- أن الحرب بينهما قد انتهت، وبلا رجعة،

خاصة بعد استعادة أذربيجان لأراضيها المحتلة.

لكن بالنسبة للمتخصصين فإن الحرب بين البلدين ربما توقفت عسكريًا لتستعر كلاميًا، لتعلن عن وجه آخر لصراع لن ينتهي أبدًا ربما،

خاصة وأن مناوشات عسكرية عادت على السطح من جديد، والتي قد تكون ارهاصًا لمعركة عسكرية موسعة بين الجانبين،

أو تكون أرمينيا مع بولندا ودول أخرى وقود حرب متعددة الأطراف!.

إن التصريحات التي يصرح بها مسؤولون في أرمينيا تكشف عن نوايا مستقبلية قد يكون من شأنها إعادة وجه الصراع العسكري مرة أخرى.

فأرمينيا التي أرغمتها الهزيمة العسكرية الساحقة على توقيع اتفاق سلام مذل،

وسبب انتفاضة شعبية عارمة كادت تطيح بمن وقع عليه، وهو رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشنيان،

لولا أنه استطاع نزع فتيل الأزمة السياسية في بلاده ولو مؤقتًا عبر دعوته لانتخابات مبكرة مكنته من تأكيد شعبيته، والبقاء في منصبه.

العنصرية والميول الاستعمارية

لكن طبيعة النظام المتوارث في أرمينيا قائم على العنصرية والميول الاستعمارية تحت دوافع تحقيق أكذوبة أرمينيا الكبرى التي زُرعت في وجدان أجيال من الأرمن، ما جعلهم دوما ينظرون إلى غيرهم خاصة من الترك الأذريين كأعداء.

وتأثير  هذه النظرة وطبيعة النُظم الأرمينية المتعاقبة من شأنه البحث الدائم عن صناعة المناوشات وتأجيج الخلافات، لكسب أو الاحتفاظ بالشعبية،

حتى وإن كان الأولى والأفضل دفع عجلات التعاون والتكامل بين الجارتين لإنفاذ اتفاقية السلام الموقعة

ومن ثم بناء جسور الثقة التي تعود على شعبي البلدين بالخير والأمان والرفاهية.

أما الموقف الأذربيجاني العام فهو واضح تمامًا يمكن أن تراه ملخصًا في تصريح الرئيس إلهام علييف،

خلال كلمته في افتتاح منتدى باكو العالمى «العالم بعد كوفيد -19»، الخميس،

“أن بلاده لم تتلق بعد ردًا من أرمينيا على مقترحات بدء وضع اتفاق سلام وترسيم الحدود،

مضيفًا: لقد عرضت بلادنا على أرمينيا أن نبدأ العمل لوضع اتفاقية سلام.

ونريد أن نتحدث ليس عن الحرب، بل عن السلام. اقترحنا بدء العمل لترسيم الحدود وتحديدها؛ ولكن، للأسف لم نتلق أي رد حتى الآن”.

وشدد علييف على أن كل شىء يعتمد على موقف يريفان.

وأكد رئيس أذربيجان، أن: “موقفنا واضح للغاية..

نحن مستعدون لبدء مفاوضات السلام وتوقيع اتفاقية سلام..

نريد طى هذه الصفحة وترسيم الحدود؛ لكن لا يوجد رد من أرمينيا، وهي لا تزال تلتزم الصمت”!

فإذا كنا قد أجملنا موقفي البلدين؛ لكن لا بأس من العبور تجاه بعض التفاصيل التي تكشفها التصريحات الأخيرة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر المنصرمين.

اتهامات معتادة

من يصدق محتلًا؟

المحتل مغتصب، والمغتصب يبني بنيانه على باطل، والباطل لا يعرف حقًا، أو صدقًا،

لأنه يتبع خطى هواه ورغباته الشريرة في نهب ما لا حق له فيه، ويبلغ منتهى شره عندما يسعى لشرعنة اغتصابه لحقوق الآخرين.

فمن ذا الذي يصدق محتلًا، اللهم إلا إذا كان مستفيدًا من وجود هذا المغتصب، ويؤدي له خدمة ما بإقدامه على فعل كهذا؟!

وأرمينيا وفق العديد من القرارات الدولية، واعتراف العديد من المنظمات حول العالم هي دولة محتلة،

قامت باغتصاب ٢٠% من أراضي أذربيجان ونهب ثرواتها وقتل وتشريد أبنائها لما يقارب الثلاثين عامًا.

فهل ثمة منطق نقبل به ادعاءات لدولة كأرمينيا مارست الاحتلال طوال هذه السنوات،

وتجاهلت كل قرارات الشرعية الدولية، عندما تتحدث عن انتهاكات ما تمارسها أذربيجان؟!

وعلى الرغم من هذا سنستعرض أبرز هذه الاتهامات والتي ساقها بعض الصحفيين، وكذا الرد عليها.

هذه الاتهامات الأرمينية جاءت على لسان رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان الأرميني، أرمان تاتويان.

كانت البداية في الثامن من سبتمبر الماضي،

حيث زعم، تاتويان، أن أسرى الحرب الأرمن المدنيون،

الذين احتجزتهم أذربيجان بعد الحرب الأخيرة (حرب التحرير المسماه بحرب ال٤٤ يومًا) تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي.

وأوضح، رئيس حقوق الإنسان الأرميني،

أن مسؤولية الحكومة الأذربيجانية كبيرة جدًا عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وسوء المعاملة والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية ضد الأسرى الأرمن في الحجز بأذربيجان،

لافتا أن الجيش الأذربيجاني يعذب أسرى الحرب الأرمن على أساس التمييز العرقي أي فقط لأنهم أرمن!

وأضاف، تاتويان، أن هناك حالات ألقوا فيها الطعام على الأرض وأجبروا الأسرى على أكله،

وكانت هناك حالة عندما أعطوا 10 ثوانٍ فقط للانتهاء من الأكل ثم ألقوا الطعام في سلة المهملات،

وفي كثير من الأحيان كانوا يضعون أصابعهم على الجرح حتى يبدأ الناس في طلب العلاج أو الطعام

ويرشون الماء البارد عن عمد على أسرى حرب عراة في الطقس البارد ويبقون النوافذ مفتوحة.

وكشف، أن الجنود الذين تم إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى أرمينيا أبلغوا أنه عندما كان يأتي ممثلو الصليب الأحمر للزيارات فإن الجيش الأذربيجاني يغير معاملتهم مسبقًا.

وأضاف، تاتويان، إن لديهم حقائق واضحة عن العديد من حالات إجبار أسرى الحرب على الإدلاء بتصريحات مزيفة وقال:

“على سبيل المثال أُجبر أحد الجنود على القول إنه قتل 50 أذربيجانيًا في حفل زفاف في زانكيلان”،

وتم عرض المعاملة القاسية بشكل خاص ضد قدامى المحاربين في حرب ناجورنو قاراباغ الأولى وحرب أبريل 2016.

الغريب في مثل هذا التصريح أن يأتي في ظل مساعي اذربيجانية حثيثة لدعم آفاق التعاون والسلام بين البلدين،

ودللت أذربيجان على ذلك عبر تصريحات أكابر القيادة السياسية وأفعال على الأرض تمثلت في إطلاق صراح عشرات الأسرى.

الأرمن يمارسون التعذيب على أساس عنصري

والأغرب أن مسؤولًا أرمينيًا يتحدث عن تعذيب أسرى على النحو الذي ذكر

وقد عايش دولته منذ نشأتها تمارس هذا التعذيب وعلى أساس عنصري منذ بموجب كونها دولة احتلت خُمس الأراضي الأذربيجانية

واستتب لها الأمر لما يقرب من ٣٠ عامًا على جرائم القتل والتمثيل بجثث الضحايا والتعذيب،

وهذا ما كانت تخبر به القيادة الأذربيجانية العالم خلا هذه العقود بلا جدوى.

فقد مثل الاحتلال الأرميني السابق لإقليم قاراباغ والأقاليم السبعة المجاورة نقطة تحرك رئيسية، حيث أجري الزعيم الراحل حيدر غلييف،

خلال الفترة من 1993 حتى 2000 أكثر من 130 لقاءً مع مندوبي مجموعة مينسك و485 لقاءً مع 68 رئيس دولة و10 لقاءات مع الأمناء العاميين لمنظمة الأمم المتحدة،

استهدفت كل تلك اللقاءات إيجاد سبل حل لقضية قاراباغ،

صدر عدد من القرارات في إطار الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا

ومنظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة التعاون الإسلامي

والتي تؤيد وحدة أراضي جمهورية أذربيجان وتدين سياسة أرمينيا العدوانية،

فصدر أربعة قرارات عن مجلس الأمن:

(القرار رقم 822 في 30 أبريل 1993، والقرار رقم 853 قي 29 يوليو 1993،

والقرار رقم 874 في 14 أكتوبر 1993، والقرار رقم 884 في 12 نوفمبر 1993،

وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 243 / 62 في 14 مارس 2008)،

وقد دعت تلك القرارات جميعها جمهورية أرمينيا إلي الانسحاب الفوري دون قيد أو شرط من أراضي أذربيجان التي تحتلها،

وأن تتحمل تبعات ونتائج ذلك الاحتلال من تعويضات للسكان الذين تم تدمير بيوتهم وأراضيهم،

وعودة السكان المشردين والذين نزحوا من أرضهم وبيوتهم هربًا من القتل ونيران الحرب والترويع.

وفي ذات السياق وأثناء مشاركة الزعيم الراحل، في الدورة الخاصة للجمعية العامة فيما يتعلق باليوبيل الـ50 لمنظمة الأمم المتحدة في أكتوبر 1995،

اتخذت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة قرارها المتعلق بالتعاون مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي عام 1996 بتأييد وحدة أراضي أذربيجان.

وبعد ذلك بعام، وتحديدًا في 28 يوليو عام 1997 اجتمع حيدر علييف أثناء زيارته الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية مع كوفي عنان الأمين العام الأسبق للمنظمة

والذي أكد فى حديثه على أن منظمة الأمم المتحدة تؤيد وحدة أراضي البلاد

وأشار إلى ضرورة تسوية النزاع الأرميني الاذربيجاني حول قاراباغ الجبلية علي أساس مبادئ اجتماع قمة لشبونة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

موقف منظمة التعاون الإسلامي

لم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لموقف منظمة التعاون الإسلامي،

والتى اتخذت حزمة من القرارات التى أدانت العدوان الأرميني على أراضى جمهورية أذربيجان واستمرار احتلالها لأراضيها،

ودعت المنظمة مجلس الأمن الدولي إلي الإقرار بوقوع العدوان علي جمهورية أذربيجان،

ففي ديسمبر 1994 في مؤتمر القمة السابع لرؤساء الدول والحكومات في الدار البيضاء

تم تبني قرار مهم بشأن قاراباغ الجبلية يدعو الي تقديم المساعدة الاقتصادية والإنسانية الي أذربيجان..

بكونها احتضنت نحو مليون لاجئ من مواطنيها تم تشريدهم نتيجة العدوان الأرميني.

وتم تغيير اسم القرار الصادر من منظمة  التعاون الإسلامي تحت عنوان

«العدوان الأرميني ضد أذربيجان»

في الدورة الرابعة والعشرين للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية، الذي عقد في جاكرتا في عام 1996،

ومنذ ذلك الحين، بقي اسم كل القرارات بشأن هذه القضية في جميع مؤتمرات وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة من دون تغيير.

منظمة حركة عدم الانحياز

أما فى إطار منظمة حركة عدم الانحياز، والتي انضمت أذربيجان إليها عام 2011م،

فقد اتخدت المنظمة موقفًا محددًا لا لبس فيه إزاء النزاع الأرميني الأذربيجاني حول إقليم قاراباغ،

فالاجتماع الوزارى للمكتب التنسيقي لحركة عدم الانحياز،

والذى استضافته مصر في مدينة شرم الشيخ، في الفترة من 9-10 مايو 2012،

أكد على مسئولية جمهورية أرمينيا باعتبارها طرفًا فى هذا النزاع،

وذلك على الرغم من محاولات أرمينيا عبر العديد من الأعوام لإخفاء نفسها خلف نظام الدُمى المقام فى الأراضى المحتلة لأذربيجان،

كما دعا إلى تسوية النزاع الأرميني الأذربيجاني على أساس مبادئ القانون الدولى،

وخاصة تلك المرتبطة باحترام سيادة ووحدة أراضى الدول وحصانة حدودها الدولية المعترف بها.

كما تضمنت الوثيقة الختامية الصادرة عن المؤتمر الوزارى للدول الأعضاء

والذي عقد في باكو يومي 3 و6 أبريل 2018 وبمشاركة كبار المسؤولين من 117 دولة و16 منظمة دولية،

فقرة تشدد على أهمية حل النزاع الأرميني الأذربيجاني – قاراباغ الجبلية على أساس السلامة الإقليمية وحرمة حدود أذربيجان.

وخلال قمة باكو يومي 25 و26 أكتوبر 2019،

أعرب رؤساء الدول والحكومات عن أسفهم لأنه على الرغم من قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة،

فإن النزاع بين أرمينيا وأذربيجان لا يزال دون حل ويشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين والإقليميين.

ودعت هذه القمة الأطراف إلى مواصلة المفاوضات لحل النزاع على أساس وحدة أراضي جمهورية أذربيجان وسيادتها وحرمة حدودها الدولية.

وفي هذا الصدد، شدد  رؤساء الدول والحكومات على عدم جواز احتلال الأراضي بالقوة.

وأكدوا مجددًا أنه لن تعترف أي دولة بشرعية الوضع الناجم عن احتلال أراضي جمهورية أذربيجان ولن تقدم أي مساعدة للحفاظ على هذا الوضع، بما في ذلك النشاط الاقتصادي في هذه الأراضي.

وبعد قرابة ثلاثين عامًا مما يمكن أن نسميه “تجميد” نزاع قراباغ الجبلية بين أرمينيا وأذربيجان،

استيقظت أذربيجان صباح السابع والعشرين من سبتمبر 2020م على هجمات عسكرية من قبل أرمينيا على أراضيها وعلى المدنيين دون مراعاة لأي أعراف أو قوانين دوليتين،

مما أجبر أذربيجان على الرد الصارم على هذه الهجمات لحماية أراضيها ومواطنيها، واندلعت ما يمكن أن نسميه حرب قاراباغ الثانية.

انتهاك صارخ للقواعد والمبادئ الأساسية للقانون الدولي

من أجل منع عدوان عسكري آخر من جانب أرمينيا وتوفير الأمن للمناطق السكنية المدنية المكتظة بالسكان، اتخذت القوات المسلحة لجمهورية أذربيجان تدابير للهجوم المضاد في إطار حق الدفاع عن النفس والامتثال التام للقانون الإنساني الدولي، وسميت هذه العملية بـ “القبضة الحديدية”.

عدوان أرمينيا على أذربيجان هو انتهاك صارخ للقواعد والمبادئ الأساسية للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي،

بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية (قتل المدنيين، وتدمير المدن السكنية بإطلاق الصواريخ وغيرها)،

وكذلك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 822 و853 و874، القرار رقم 884 لعام 1993 الذي يطالب بالانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات المسلحة لأرمينيا من الأراضي المحتلة بأذربيجان.

بالطبع، كانت أذربيجان تستعد للحرب كل هذه السنوات ولم تخف ذلك أبدًا، لأن أراضينا كانت تحت الاحتلال،  والحل السلمي لهذه القضية كما بدا كان مستحيلًا.

وبالفعل حاربت وانتصرت، فهل الدولة التي مارست هذه الدبلوماسية الحكيمة عبر ما يقرب من ثلاثة عقود يمكن أن نصدق اتهامات عدوها المحتل عنها؟!

ارجعوا إلى المذابح التي ارتكبها الأرمن وعلى رأسها “خوجالي” ستدركوا من يعذب على أساس عرقي، ويقطع رؤوسًا ويسلخ جلدًا.

أسرى الحرب والمفقودين والمحتجزين والرهائن

ووفقًا لأحدث المعلومات، سجلت لجنة دولة أذربيجان المعنية بأسرى الحرب والمواطنين المفقودين والمحتجزين والرهائن،

أن 3190 شخصًا في عداد المفقودين، من بينهم 3171 جنديًا و 719 مدنيًا.

كما احتجزت القيادة السياسية والعسكرية الأرمنية بشكل غير قانوني المدنيين الأذربيجانيين كرهائن،

ليس فقط خلال حرب قاراباغ الأولى؛ ولكن أيضًا في السنوات التالية بعد إعلان وقف إطلاق النار 1994،

مما يثبت بوضوح سياسة الكراهية ضد الأذربيجانيين المسالمين.

وتم كذلك احتجاز مئات الأذربيجانيين كرهائن، وتسبب ذلك في إعاقاتهم نتيجة إصابات خطيرة لحقت بهم جرّاء التعذيب الجسدي والنفسي الذي لا يطاق.

وعلى رغم ذلك، اتخذت أذربيجان، على عكس موقف الجانب الأرمني تجاه أسرى الحرب الأذربيجانيين خلال الحرب خطوات لإجلاء أسرى الحرب الأرمن من منطقة القتال، وإدخال الجنود الجرحى المستشفيات وعلاجهم.

التحدي الأكبر أمام حكومة أذربيجان

والتحدي الأكبر أمام حكومة أذربيجان يتمثل في الملف الإجرامي الأكبر لأرمينيا، وهو ملف الألغام.

فلا شك أنه أهم التحديات التي تقف أمام حكومة أذربيجان حاليًا خاصة بعد تحرير أراضيها في نوفمبر الماضي،

تكمن في القيام بتطهير أراضيها التي كانت تحت الاحتلال من الألغام وغيرها من الذخائر الحية التي قامت أرمينيا بزرعها في الأراضي الأذربيجانية

والتي ما زالت تشكل خطرًا على أرواح المواطنين،

وكذلك القيام بترميم المدن والمناطق الأخرى التي دمرت كليًا خلال فترة الاحتلال، وتهيئة الظروف اللازمة حتى يتم توفير عودة طوعية وآمنة وكريمة للنازحين إلى أراضيهم الأم.

ولكن لا تزال تواجه هذه العملية معوقات تتركز في عدم إستجابة أرمينيا ورفضها القاطع لتقديم أي مساعدة في إظهار الخرائط الاستبيانية للمناطق الملغمة التي حررتها أذربيجان،

وهذا الأمر يعتبر ضرورة ملحة من أجل إنقاذ الأرواح والتسريع في عمليات إعادة التأهيل وإعادة الإعمار خاصة بعد تلك الفترة الطويلة من الصراع.

خرائط الألغام 

وبعد محاولات كثيرة، قدمت أرمينيا جزءًا من خرائط الألغام التي تحتفظ بها،

مخالفةً بذلك القوانين الدولية الإنسانية، إذ قدمت أرمينيا وبوساطة دولة جورجيا خريطة الألغام توضح مواقع 97 ألف لغم مضاد للدبابات والأفراد والتي زرعتها في منطقة آغدام مقابل عودة (تسليم) 15شخصا من أصل أرميني بتاريخ 12 يونيو، 2021.

وقد استتبع ذلك خطوة أخرى، من خلال وساطة روسيا بتاريخ 3يوليو 2021،

حيث سلمت أرمينيا خريطةجديدة للألغام توضح مواقع 92 ألف لغم مضاد للدبابات والأفراد والتي دفنتها في منطقتي فضولي وزنقيلان.

وكخطوة إنسانية، سلم الجانب الأذربيجاني إلى أرمينيا 15 شخصا من أصل أرميني حُكم عليهم بالسجن وانتهت مدة عقوبتهم؛

ولكن باقي خرائط الألغام التي دفنتها في الأراضي المحتلة سابقا لم تسلمها أرمينيا حتى الآن.

ومن الجدير بالذكر أنه خلال تلك الفترة التي أعقبت التوقيع على البيان الثلاثي حول وقف النشاطات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان برعاية روسيا في نوفمبر 2020،

فقد سقط العشرات من المواطنين ضحايا لتلك الانفجارات التي سببتها الألغام المرزوعة من قبل أرمينيا في تلك المناطق،

ومن بينهم كان هناك نازحون غير مبالين بالخطر الذي ينتظرهم رغما من وجود التحذيرات بذلك وهم مدفوعون بشغفهم بزيارة أراضيهم المحررة.

وبشكل عام ومنذ بداية الصراع، فقد لقي آلاف الأشخاص مصرعهم وأصيبوا بجروح خطيرة نتيجة الانفجارات التي سببها وجود الألغام في تلك المناطق.

فمن يصدق بعد كل هذا تصريحات لدولة كأرمينيا تتعلق بحقوق الإنسان وهي التي احتلت وقتلت وعذبت وزرعت الألغام؟!

اتهام ثان

وفي ثاني هذه الاتهامات التي صرح بها رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان في أرمينيا،

أرمان تاتويان، في 18 أكتوبر الماضي،

أدان ما اسماه جرائم أذربيجان بحق مواطني ناجورنو قاراباغ، من خلال إضرام النار في ممتلكات سكان القرى،

ما اعتبره انتهاك لحقوق الإنسان الدولي.

وأضاف المعنى بحقوق الإنسان في أرمينيا، أنه تم توثيق كافة الانتهاكات وسيقدم نسخة إلى الجمعية البرلمانية في أوروبا والمؤسسات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

ولفت إلى أن القوات الأذربيجانية قامت بارتكاب أعمال إرهابية ضد السكان المدنيين في الكثير من القرى.

وأكد أن قوات الدفاع المدني وصلوا في الوقت المناسب لبعض القرى، التي اضرمت القوات الأذربيجانية، النار فيها، خاصة في يراسخ التابعة لمنطقة أرارات.

وهذا أحد أغرب التصريحات التي يمكن أن تستمعها من أسوأ احتلال عرفته الأرض. فأرمينيا التي جعلت من أراضي أذربيجان المحتلة أكبر مقبرة للألغام،

وهدمت المنازل ودنست المساجد، ودمرت الآثار تتحدث اليوم عن إضرام النار في الممتلكات!

فهل أبقت أرمينيا المحتلة على ممتلكات من قتلتهم في حرب قارباغ الأولى؟

هل أبقت على شيء من رفاتهم؟

هل أبقت على شيء من ذكرياتهم؟

ألم تسعى جاهدة طوال 28 عامًا من تديمر وطمس هوية الأرض وتلويث المياه وحرق الغابات؟

ماذا عن وقت خروجهم من منطقة كلبجار بتاريخ 25 نوفبمر 2020، حسب الاتفاق الثلاثي،(مغادرة باقي الأراضي المحتلة سياسيًا)، حيث أحرقوا البيوت والغابات انتقامًا وحقدًا، وجميع الصور متوفرة على الإنترنت.

أما ثالث الافتراءات فكان في 29 أكتوبر الماضي، حيث ادعى، تاتويان، أن هناك عمليات غزو غير قانوني من الجانب الأذربيجاني في المنطقة المجاورة مباشرة لقرى منطقة كيغاركونيك الأرمينية السيادية.

وأضاف، أن إحدى الشركات التجارية الأرمينية الواقعة في منطقة كيغاركونيك،

غير قادرة على استخدام 200 هكتار من الأراضي المخصصة لها بشكل قانوني بموجب قرار من حكومة أرمينيا وبموجب شهادة الملكية للجنة السجل العقاري

والتي بنت مساحة 75 هكتاراً منها طواحين الهواء، وبسبب التواجد العسكري للقوات المسلحة الأذربيجانية هناك، يقدر الضرر بنحو 5 ملايين دولار لصاحب الشركة.

وأردف رئيس الحقوق الأرمينية، تتعرض حياة الناس السلمية وأمنهم للخطر بسبب القصف المنتظم، وينتهك الحق في الحياة،

ويحرم الناس من حقوق الملكية ومن فرصة كسب دخل الأسرة من خلال الزراعة.

وأشار إلى أن هناك شريط فيديو:

«سيتم إرسال هذه الحقائق إلى الهيئات الدولية ذات الصلة، وكذلك إلى الهيئات الحكومية في أرمينيا والمنظمات غير الحكومية لإبرازها للجهات المعنية»!

فسبحان الله العظيم.. ءالآن صار الأرمن يشكون من غزو الأذربيجانيين؟!

ءالآن صاروا يعرفون أن في العالم هيئات دولية يريدون أن يعودوا إليها بفيديو يثبت ادعاءاتهم؟!

وأين كانوا هم من قرارات هذه الهيئات الدولية عبر ما يقرب من ثلاثة عقود؟!

الحقيقة، أنه بعد انتهاء حرب التحرير (44 يومًا) بين أذربيجان وأرمينيا وأسفرت عن هزيمة الجانب الأرميني بتوقعيه على وثيقة الاستسلام بوساطة روسيا،

ونقول الاستسلام لأن أذربيجان هي الجانب المنتصر الذي أملى شروطه، ومحال أن تكون اتفاقية سلام.

فقامت أذربيجان بدور بناء وترميم الأراضي المحررة والتي احتلتها أرمينيا منذ ما يقرب من 30 عامًا،

حيث لم يتركوا بنية تحتية، ولا منطقة سكنية، ولا آثار تاريخية أو دينية ولا أراضٍ زراعية، ولا أنهار جارية إلا دمروها، ولوثوها.

ترسيم الحدود 

ولا يزال هناك أيضًا مشكلة ترسيم الحدود وتوضيحها بين البلدين قائمةٍ،

حيث أن أذربيجان تطلب أن ترسم الحدود وفق الخريطة الموجودة لديها ولدى روسيا؛

ولكن أرمينيا ترفض وتقول بقبول الخريطة التي عندها والتي غيرتها وزورتها، ومن هنا تأتي الإشكالية.

فالذي تراه أرمينيا المحتلة أرضًا لها أو ضمن حدودها هي ببساطة أرض أذربيجانية،

وإن لم يكن هذا مقررًا فعليًا، فعلى الأقل تبقى وجهة النظر الأذربيجانية حق كالتي تراها أرمينيا حيال نفسها.

فالأضرار التي ألحقتها جمهورية أرمينيا بأراضي جمهورية أذربيجان المحتلة سابقًا تقدر بمليارات الدولارات.

ويمكن تصور ذلك أنه خلال ما يقرب من 30 سنة صارت هذه الأراضي تُنهَب ثرواتها الطبيعية،

والتي تضم 155 نوعًا من المواد المعدنية المختلفة في الأراضي المحتلة،

منها 5 للذهب و6 للزئبق و2 للنحاس والرصاص والزنك و19 لحجر الواجهة و10 للأحجار المنشورة

و4 للمواد الخام الأسمنتية و13 للأنواع المختلفة من أحجار البناء والمواد و1 للخامات لإنتاج الصودا

و21 للحجر الخفاف والرماد البركاني و10 للطين و9 للحصى الرملية و5 للرمل الإنشائي و9 للجبس وأنهيدريد والكاج

و1 للبيرلايت و1 لحجر سبج و3 للفيرميكوليت و14 لحجر الزينة والحجر الملون

(عقيق ويشم وأونيكس وجاد وبيفروتويد والخ).

الاحتياطيات الصناعية المصدقة

وتبلغ الاحتياطيات الصناعية المصدقة في هذه المكامن 132.6 طن من الذهب

و37.3 ألف طن من الرصاص و189 مليون متر مكعب من الحجر المنشور و1 مليون و526 ألف طن من الطين

و18 مليون 432 ألف متر مكعب من حجر الواجهة و23 مليون 243 ألف متر مكعب من الطين

و57 مليون 965 ألف طن من حجر البناء و96 مليون 987 ألف طن من الرمل والحصى و18 ألف 98.4 طن من الزئبق

و4 ملايين 473 ألف متر مكعب من البيرلايت و2 مليونان و144 ألف متر مكعب من الحجر الخفاف

و129 مليون 833 ألف متر مكعب من الحجر الجيري لإنتاج الصودا و147 مليون 108 ألف طن من الأسمنت.

اكتشاف المواد الخام والمعادن 

 وكما تم اكتشاف المواد الخام والمعادن الأخرى المهمة لتنمية الاقتصاد.

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الثلاثين الماضية تعرضت المناطق للنهب.

وبجانب دولة أرمينيا المعتدية، استثمرت الشركات الأجنبية في الأراضي المحتلة بشكل غير قانوني في منطقة قاراباغ والمناطق المجاورة لها.

ومنذ عام 1999، شجعت الحكومة الأرمينية العديد من الشركات الأجنبية على الاستثمار في قاراباغ.

كانت تعمل هذه الشركات في قاراباغ في مختلف المجالات -التعدين والبناء والنجارة والاتصالات وغيرها- دون إذن من أذربيجان،

ومعظم هذه الشركات من فرنسا وبريطانيا العظمى وإيران والولايات المتحدة وروسيا وسويسرا وألمانيا وهولندا ودول أخرى،

استغلت بشكل غير قانوني ثروة أذربيجان من خلال الاستثمار في الأراضي المحتلة.

وفي المجموع، عملت شركات من أكثر من 20 دولة بشكل غير قانوني في الأراضي المحتلة بأذربيجان.

ويذكر أنه في السنوات العشر الماضية فقط، استثمرت هذه الشركات بشكل غير قانوني 470 مليون دولار في قاراباغ. 

بعد جمع المعلومات حول رؤساء هذه الشركات،

بدأت إدارة التحقيق في الجرائم الخطيرة التابعة لمكتب المدعي العام في أذربيجان قضية جنائية بموجب المواد ذات الصلة في القانون الجنائي، ويجري التحقيق في الأمر.

كما وجه الرئيس إلهام علييف خلال الاجتماع المخصص لنتائج 2020 تحذيرًا نهائيًا لهذه الشركات،

إذا لم تدفع هذه الشركات التي تستغل مواردنا الطبيعية بشكل غير قانوني، تعويضات، فسيتم رفع القضية إلى محكمة دولية.

مناوشات جديدة

قبل أربعة أيام وتحديدا يوم 16 نوفمبر وقعت مناوشات عنيفة بين أرمينيا وأذربيجان بعد هدنة فرضتها وثيقة استسلام قبلت بها يريفان،

وتدعي موسكو  أنها احتوت التصعيد وواشنطن تشير إلى حاجة إلى “تسوية تفاوضية وشاملة ومستدامة لكافة القضايا” العالقة بين الجانبين!

لكن لا توجد قضايا عالقة كما تزعم واشنطن، وإنما استكمال لوثيقة الاستسلام،

وإنفاذ مرحلة تجاوز الصراع العسكري الذي طالما حرصت أرمينيا على فرض نتائجه على أذربيجان،

حتى حرب قاراباغ الثانية، التي أنهت هذا الوضع إلى غير رجعة.

وجاء في بيان الخارجية الأمريكية أن ارتفاع نسبة التوتر بين الجانبين في الآونة الأخيرة،

يؤكد على الحاجة إلى تسوية تفاوضية وشاملة ومستدامة لكافة القضايا العالقة ذات الصلة بنزاع اقليم قاراباغ أو الناتجة عنه.

وأعلنت وزارة الدفاع الأرمنية، يوم الأربعاء الماضي، أنها فقدت الاتصال بـ24 جنديا، ومقتل عسكري واحد، وتم أسر 13 آخرين،

من جانبها أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية عن مقتل 7 من جنودها وإصابة 10 آخرين في الاشتباكات التي دارت الثلاثاء الماضي، مع القوات الأرمنية،

وأكدت أن الوضع الأمني على الحدود الآن مستقر.

وهكذا دائمًا كانت الفرايا الأرمينية؛ لكن الحقيقة شأن آخر، والحق احق أن يتبع،

وهكذا انتهى وجه الصراع العسكري ليبدأ صراع جديد ربما يفضي بنا في النهاية إلى عودة المواجهات العسكرية لكن على نطاق أوسع.