يتعرض الإنتاج الزراعي في المنطقة العربية لكوارث من آثار مدمرة بسبب تداعيات التغير المناخي.

فارتفاع درجة الحرارة في المنطقة وما صاحبه من جفاف وندرة في الأمطار، أدى لتفشي آفات جديدة وانخفاض عائدات بعض المحاصيل الرئيسية.

ورغم أن المنطقة العربية، لا تسهم إلا بنسبة 4.5% من الانبعاثات التي تسبب الاحترار العالمي، إلا أنها تدفع الثمن الأكبر من جراء تغير المناخ كما يقول الدكتور محمد عبد المنعم، استشاري التغير المناخي والأراضي، لدى وكالة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة الفاو.

يعيش الأردن حالة من الفقر المائي المدقع، فقد تراجع نصيب الفرد فيه من المياه إلى أقل من مئة متر مكعب سنويا، مقارنة بـ 3400 متر مكعب في عام 1946، وفي السنوات الأخيرة تراجع مستوى الأمطار في الأردن بنسبة النصف تقريبا، حسب تصريحات سابقة لوزارة الري.

أما في مصر، البلد الذي مثلت الزراعة عماد اقتصاده لقرون، فتتخذ تداعيات تغير المناخ أشكالا كثيرة، منها آفة دودة الحشد الخريفية التي هاجمت المحاصيل هذا العام، خاصة محصول الذرة الشامية في محافظات الوجه القبلي.

ويربط الخبراء المصريون بين ظهور هذه الدودة وتفشيها وارتفاع درجة الحرارة، فهي لم تكن معروفة أو كانت نادرة الظهور من قبل.

وحسب مصادر رسمية مصرية فقد أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى انخفاض ناتج محصول الزيتون لهذا العام بنسبة تتراوح بين 60 – 80في المئة. فالزيتون، حسب خبراء الزراعة، يحتاج أن تنخفض الحرارة إلى 10 درجات مئوية لعدد معين من الساعات طوال الشتاء حتى تتهيأ الشجرة للدخول في موسم النمو التالي”.

وقد تضررت محاصيل مثل الزيتون والمانجو وتراجعت إنتاجيتها بشكل كبير بسبب الشتاء الذي أصبح أكثر دفئا وممتداً لفترة قصيرة، الأمر الذي يؤدي إلى خلل في الاقتصاد الزراعي والمجتمعات الفلاحية التي تعتمد عليه في غذائها أو كأسلوب حياة.

ففي شمال إفريقيا مثلا، تدفع ندرة المياه والأمطار المزارعين إلى التوقف عن زراعة القمح واستبداله بالشعير كونه يحتاج مياها أقل.

ولأن الشرق الأوسط وفي القلب منه الهلال الخصيب هو الموطن الأول للزراعة، التي كانت أكبر اختراع عرفه الإنسان حين تحول من القنص والصيد إلى الاستقرار، يبدو من الصعب تخيل أن تلك المنطقة من العالم قد تصبح، إذا استمر ارتفاع الحرارة ونقص الأمطار، منطقة بلا زراعة ولا محاصيل.

دراسات دولية عديدة حملت تقديرات حالكة لمستقبل الزراعة في المنطقة، فقد أظهر بحث لوكالة أبحاث الفضاء والطيران الأمريكية-ناسا، أن المنطقة العربية تعيش جفافا ممتدا منذ أكثر من عشرين عاما هو الأطول من نوعه خلال ألف عام تقريبا. أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فيحذر من أن استمرار موجات الجفاف وندرة المياه قد يعني انخفاض الزراعة في المنطقة العربية بنسبة 20 في المئة بحلول عام 2080.

أما البنك الدولي فأشار في دراسة أعدها عام 2017 إلى أن ندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ ستكبد الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة خسائر تتراوح بين ستة إلى أربعة عشر في المئة بحلول عام 2050.

ويقول الدكتور محمد عبد المنعم، استشاري تغير المناخ لدى الأمم المتحدة إن المنطقة العربية “هشة من حيث الموارد الطبيعية، حيث انخفض نصيب الفرد من المياه خلال الخمسة والخمسين عاما الماضية من 2600 متر مكعب إلى 600 متر مكعب سنويا وهو ما يضع معظم الدول العربية تحت خط الفقر المائي، أما نصيب الفرد من الأراضي الزراعية الخصبة فقد انخفض من 0.4 هكتار إلى 0.14 هكتار”.

والحال كذلك، من المتوقع أن يؤدي إفقار المناطق الزراعية وهجر مهنة الفلاحة إلى نزوح الفلاحين وعائلاتهم إلى المدن العربية، ليتعزز ما بات يسمى بهامش أو حزام الفقر، الذي يتكون أساسا من مناطق مكتظة بالنازحين تفتقر إلى الخدمات، ما يجعلها في نظر البعض “قنابل موقوته”.

وحسب عبد المنعم، فإن كثيرا من موجات الجفاف أدت إلى هجرة السكان من أماكنهم إلى أماكن أخرى وهو ما نتج عنه نشوب نزاعات: “هذه الظاهرة موجودة في كثير من مناطق العالم لكنها تقترب الآن من المنطقة العربية، المثال التقليدي هو النزاع بين مجتمعات الرعي ومجتمعات الزراعة وهو ما حدث في إفريقيا جنوب الصحراء وبعض الدول العربية، فكمية المياه المحدودة إما أن تؤخذ للرعي أو للزراعة. وهو ما يعني أن مجموعة ستنزح بحثا عن منطقة أكثر استقرارا”.

وتنصح المؤسسات الدولية دول المنطقة بالدخول في مشروعات إقليمية للاستفادة من المياه الجوفية، وبإعادة تدوير مياه الصرف الصحي والصرف الزراعي التي تذهب هدرا، واستخدامها لأغراض أخرى غير الشرب.

كما يحذر البنك الدولي من أن تكاليف مياه الشرب ومرافق الصرف الصحي في المنطقة، لا تزال من بين الأدنى عالميا، ما يعني أن رفعها قد يؤدي لترشيد المياه. ويبقى التحدي الذي يواجه المنطقة هو كيفية تمويل تلك المشروعات بما يضمن استمرار الزراعة والإنتاج المحصولي في المنطقة العربية التي تستورد 80 في المئة من احتياجاتها الغذائية من الخارج.