رحل عن دنيانا، المفكر الكبير الدكتور حسن حنفي، ليلقى الله عز وجل بعد رحلة طويلة، قدم خلالها الكثير من المؤلفات والإسهامات العلمية،

التي كانت، وهو لم يزل حيا، قبلة للكثير من الباحثين في الفكر والفلسفة الإسلامية فكانت كتاباته مادة للعديد من رسائل الماجستير والدكتوراه.

وسواء كنت من المتفقين مع الدكتور حسن حنفي أو من المختلفين معه -وهم كثر- إلا أنه لا يمكن إلا أن تسلم بترديد قول القائل «أما علم فعالم»

فلا يمكن أن يختلف اثنان على أن الرجل كان مكتبة متنقلة في عقل فيلسوف، عالج القضايا الفلسفية القديمة والمعاصرة، بشكل إنساني منحاز،

أوقعه في الكثير من الإشكاليات، التي صنعت بينه وبين الجماهير حاجزا فبقى نخبوي رغم دعاوى الانحياز للجماهير.

ولعلني أذكر في هذا الإطار أنني شاهدت الرجل مرارا يجلس في نقابة الصحفيين بمفرده..

لا يشبه غيره من الكتاب والمفكرين والصحفيين الكبار -الذين ربما يتفوق عليهم حسن حنفي باسهاماته وكتاباته عددا وعمقا-

حيث يتكالب عليهم المعجبون والمتابعون فكنت أتعجب لماذا لا يحظى هذا الرجل بالالتفاف الجماهيري، الذي يحظى به أهل الفكر وأصحاب الشهرة..

في حين كنت أتمنى لو أتجاوز مخاوفي من رد فعل سيء منه في حال اقتربت منه وجالسته،

خاصة وأنه سبق لي أن عبرت عن موقفي الرافض لبعض إسهاماته بشكل اعتبره البعض شديدا.

على أي حال وعلى خلفية رحيل حسن حنفي يحضرني ثلاثة مواقف وجدتني مدفوعا لذكرها:

الموقف الأول:

يوم كنت طالبا في السنة التمهيدية للماجستير في قسم الفلسفة الإسلامية، بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة،

إذ وخلال حضوري مع جمع من الأساتذة والطلاب، لأحد المؤتمرات الدولية للفلسفة الإسلامية،

كان للدكتور حسن حنفي محاضرة تضمنت الكثير مما يثير الجدل والنقاش، غير أن أحدا من أساتذتنا لم يطلب الكلمة للتعقيب،

فيما حفزني أحد أساتذتي -بعد أن استشعر أن لدي ما أقوله- لأن أطلب الكلمة،

وهو ما فعلت فأتيحت لي المشاركة التي فوجئت بأن صديقي الكاتب الصحفي ربيع سكر -وكان من بين الحاضرين-

قد نشر موجزها في صحيفتي الحقيقة والخميس فيما همس لي أستاذي في أذني داعيا لي «بارك الله فيك يا ولدي».

وقد كان لهذه المشاركة، ولرد الدكتور حسن حنفي عليها، تأثير إيجابي للغاية،

إذ أكسبتني ثقة كبيرة في نفسي، حتى لو كان ما تناولته وقتها ساذج وسطحي،

 لكن المشاركة في حد ذاتها أكدت لدي امتلاكي القدرة على التعبير بما يجول بداخلي.

الموقف الثاني:

قدر لي وقبل نحو 11 عاما أن أكون أحد كتاب مجلة متخصصة في الفرق والمذاهب،

والتي كلفني رئيس تحريرها، بكتابة سلسلة مقالات عن بعض الشخصيات الفكرية المثيرة للجدل في مصر وعالمنا العربي,

فكان من بين من تناولتهم الدكتور حسن حنفي، الذي كتبت حوله مقالا مطولا، وهو المقال الذي يبدو أنه كان مادة لكاتب آخر في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

والذي كتب مقالا بعنوان «حول موقف الإسلاميين من التراث والتجديد»

اعتبر فيه أن مقالي عن حسن حنفي نموذجا يجسد حدة اللهجة وشدة النقد للدكتور حسن حنفي، وذلك في إطار دفاعه عن الراحل.

الموقف الثالث:

كان من تداعيات المقال سابق الذكر إذ فوجئت ذات يوم باتصال من أحد معدي البرامج بقناة النيل الثقافية؛

يطلب مني -وعلى خلفية اطلاعه على المقال- المشاركة بالحديث عن رؤيتي النقدية لأطروحات الدكتور حسن حنفي في حلقة يشارك فيها هو نفسه،

وهو ما أصابني بحالة قلق وتوتر شديدين، فكنت ولا زلت على قناعة كبيرة بأن الرجل قامة علمية كبيرة وأني ضئيل جدا بجانبه،

لكني توكلت على الله فكانت المشاركة التي استقبلها الراحل بسعة صدر ونقاش هادئ.

رحم الله علماءنا وغفر لنا تقصيرنا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..

من عاطف السيد

كاتب وباحث مصري