تقول الحكاية الشائعة بين المصريين:

– كان عم “إدريس عثمان الأقصري” فلاحا من الأقصر، يعمل (جنايني) في قصر الملك فؤاد (قبل أن يصبح ملكًا)، وفي أحد الأيام رأى في منامه أن (فؤاد بن إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا) سيصبح ملكًا على مصر..

وحكى ذلك لـ فؤاد، الذي كان قد تجاوز الثامنة والأربعين من العُمر، ففرحَ (فؤاد) وارتعش جسمه، ووعده بوضع صورته على الجنيه المصري، إذا تحقق هذا الحلم المستحيل، لأن (فؤاد) لم يكن موجودا في الترتيب الملكي لمصر، ولكن حدثت المفاجأة بعد وفاة السلطان حسين كامل فى 9 أكتوبر 1917م ، تنازل الأمير كمال الدين حسين (ابن السلطان حسين كامل) عن حقوقه فى تولّي السلطنة المصرية؛ فأصبح فؤاد (شقيق السلطان حسين كامل) هو حاكم مصر، وحصل على لقب ملك، فهو أول ملك في العصر الحديث..وذلك فى مارس 1922،

وبعد ذلك صدر القانون رقم 25 لسنة 1922 الخاص بنقل نظام وراثة العرش إلى أبناء الملك فؤاد فقط.

وتقول الرواية الشعبية:

فى إحدى زيارات فؤاد  لقصر الزعفران، وجد الجنايني إدريس جالسا يصلى، فجلس بجواره حتى أنهى صلاته ثم قاله له : (انهض يا إدريس بك).. فاندهش إدريس من اللقب، ولكن فؤاد كرر عليه وقال له: (تحققَ حلمك.. وأصبحتُ سلطان مصر، وستكون صورتك على أول جنيه تصدره حكومتى)، ونفّذ الملك فؤاد الأول وعده، وصدر جنيه إدريس الفلاح في 8 يوليو 1928م.. ويُطلق على هذا الجنيه “جنيه عم إدريس “.

لكن…

الحقيقة غير ذلك، فتلك أسطورة لا أساس لها من الصحة.. ولكن الذائقة الأدبية الشعبية تعشق هذا النوع من الحكيّ الأسطوري، ويتلاعب الراوي الشعبي بكلماته و(مصمصة الشفاه) ليستدر عطف الجماهير  وتجاوبها مع (الغلابة الأبطال) الذين يمثلونهم، وتصبح هذه التخاريف بعد ذلك (تأريخ موثّق) لا تستطيع إقناع الناس بكذبه وبطلانه…

1- إدريس عثمان كان حاجب سر الملك فؤاد، ولم يكن (جنايني) ولم تكن جذوره مصرية.

وحاجب السر هو الذي ينظم المواعيد والمقابلات.. وتتم كل المقابلات من خلاله وفي وجوده، مثل وظيفة الPersonal Assistant الآن..

2-  كان إدريس عثمان حاصلا على رتبة البكوية، وثمانية نياشين من مصر وبلجيكا وفرنسا، ويجيد عدة لغات

3- لم يكن عثمان إدريس خادما كما جاء في مسلسل “الملك فاروق” يساعد الملك فؤاد  في ارتداء ملابسه وأحذيته، فتلك وظيفة أخرى، كان لها المسؤول عنها.

4- مات إدريس عثمان في عام 1934م، بسبب (مرض السكر) أثناء حُكم الملك فؤاد

5- جنيه إدريس، أو جنيه الفلاح الذي أمامنا في الصورة، صدر للتداول في الفتره من 1926م، إلى 1930م، بتوقيع “السير بيرترام هورنسبي” مدير البنك الأهلي في ذلك الوقت، وكانت مصر مملكة لها أربع سنوات.. وتحديدا في مارس 1922م، والأمير كمال الدين حسين تنازل عن العرش في 1917م، للسلطان فؤاد.

6- في فترة حُكم فؤاد كسلطان من 1917م، إلى إعلان المملكة، كان يتم تداول جنيه ورقي، عُرِف بـ اسم (جنيه المعبد).. وفي سنة 1924م، وبعد أن أصبحت مصر مملكة، ظهر جنيه جديد، لونه أحمر، وعليه صورة جمل، ثم ظهر بعد ذلك جنيه الجملين الشهير، وهو أول جنيه ورقي مصري خالص…

7- الصورة الموجودة على الجنيه كانت لشخصية مصرية مجهولة، مجرد ملامح لفلاح مصري نوبي، كان يتم وضعها على (علب السمنة) و(ساعات الجيب) مثل صورة الشيخ الشريب بعد ذلك…

8- أمامنا الصورة الحقيقية لإدريس عثمان الحقيقي، ونعي الأهرام له

9- كانت شركة (برادبري/ ويلكنسون) الإنجليزية، هي التي تقوم بطباعة العملات الورقية، ودفاتر الشيكات، والطوابع، والسندات، وشهادات الأسهم، للعديد من البلدان المختلفة، ومنها مصر.. وكانت من أكبر شركات الطباعة في العالم، وقد تأسست في سنة 1824م، وبدأت في طباعة الأوراق النقدية، عام 1856م.

10- يقول أرشيف (دار برادبري/ويلكنسون) الموجود على الشبكة العنكبوتية، والتي تولت مهمة طباعة “جنيه الفلاح” إن مصممها اختار صورة لشخص بملامح مصرية/ نوبية، يرتدي ملابس الفلاح المصري، كانت منتشرة في ذلك الوقت لشخص مجهول..

(قلنا إن تلك الصورة كانت على ساعات الجيب وعلب السمن البلدي وبعض الإعلانات قبل الجنيه)

– كل ما سبق ينفي خرافة صورة الفلاح الموجودة على جنيه الملك فؤاد، ويهدم الحكاية كلها

– وما أكثر الشائعات والخرافات والأكاذيب التي تنتقل من جيلٍ إلى جيل.. وما زلنا نصدقها ونرويها، لمجرد فقط أنها (تأتي على هوانا) وتنتصر للغلابة

– فالحلم الذي لا نستطيع تحقيقه في الواقع، نصنعه في حكاياتنا، حتى ولو كان كاذبا.. وتلك هي الكارثة

———-

يسري الخطيب