كنت أتساءل في مقتبل العمر عن السبب الذي تمنع لأجله الحكومات في الدول المتخلفة مواطنيها وتحظر عليهم حمل السلاح،

وكيف أن الدول التي تعرف بالديمقراطية تسمح بذلك، وكان من المفترض أن يحدث العكس،

لكني كنت أميل إلى هذا المنع وأوافقه وأتعجب ممن يسمح به..

وبمرور الوقت أصبح السؤال يعاد على ذهني ويلح علي،

سيما حين تيقنت أن معظم التشريعات التي تتصل بما يسمونه «الأمن القومي» مشكوك في فائدتها وجدواها بالنسبة لمصالح الشعوب..

حظر السلاح ومصلحة المجتمع

فهل فعلا الحكومات في دولنا تحظر السلاح على الأفراد من أجل مصلحة المجتمع وأمن المواطنين؟

يبدو أن الإجابة هي النفي، ففي ظل محاولات تثبيت العروش والأنظمة المستبدة يحاول النظام الحاكم احتكار فكرة القوة،

من أجل السيطرة على الشعوب، فنزع السلاح عن الأفراد في حقيقته لا يهدف إلا بقاء هذا السلاح بيد النظام.

فضلا عن أن خطط الهيمنة على الشعوب من خلال جيوشها وعسكرها من الغرب وأعوانه لا تتحقق إلا ببقائه القوة الوحيدة في كل دولة وإقليم،

وبذلك يسهل السيطرة على هذا الإقليم من خلال السيطرة على جيشه وعسكره الذي يحتكر القوة في هذه الدولة أو الإقليم.

بل إنه عندما ظهرت الخطط «القذرة» المضادة لأي تحرك ثوري في الأنظمة الديكتاتورية،

وكيف أنها تعتمد على نشر الفوضى وأعمال البلطجة من «جيش» خفي من البلطجية تحركه الداخلية ومراكز قوى في الدولة العميقة:

ظهرت أهمية أن تكون الشعوب منزوعة السلاح، فالبلطجي بطبيعته، وبرغم مما يظْهِره: جبان وضعيف ومتمسك بالحياة لأقصى درجة،

وبالتالي فإنه لا يتحرك إلا إذا كانت المعركة محسومة لصالحه «يا روح ما بعدك روح»، وبالتالي فإن سيطرة البلطجية على الوضع الأمني بتوجيه من النظام،

وسده للفراغ الأمني بعد كسر الأنظمة الأمنية، ورقصه على الأنغام التي يعزفها له سادته

«عندما يقال له أشعل يشعل، وعندما يقال له اهدأ يهدأ وقد يختفي مؤقتا»

كل هذا لا يتم إلا بعد نزع السلاح عن الشعوب.

السلاح بيد الشعوب لردع الجناة والبلطجية

وعلى هذا فإن وجود السلاح بيد الشعوب في مرحلة الفوضى،

بل وفي مراحل الأمن يعتبر من عوامل ردع الجناة والبلطجية،

فيقين البلطجي أو المجرم أن الضحية المطلوبة قد تكون مسلحة سيجعله يفكر ألف مرة قبل الإقدام على جريمته،

ولن يتجرأ عليها إلا عند وجود دافع غاية في القوة،

ولا يهولنكم الجرائم التي تحدث هنا أو هناك نتيجة السماح للشعوب بحمل السلاح،

فالجرائم التي تحدث في المجتمعات منزوعة السلاح أكثر عددا، وأبشع نوعا،

وذلك لوجود اختلال في ميزان القوى بين الطبقات،

فنزع السلاح -كما هي طبيعة كل شيء في المجتمعات الديكتاتورية- نزع انتقائي،

فبعض الأفراد المختارين من النظام هم من يسمح لهم بحمل السلاح، والمعيار بلا شك هو مصلحة النظام وليس مصلحة المجتمع

فضلا عن الجانب القانوني، فدائما يكون الأفراد الذي يريدون الدفاع عن أنفسهم،

فيتجرأون على حمل السلاح دائما ما يلاحقون أمنيا بدعوى مخالفة القانون،

حتى عند عدم استعمال هذا السلاح، مجرد حمله يعتبر جريمة، وحتى لو استعمل في الدفاع الشرعي عن النفس.

نزع سلاح الشعوب وتسهيل احتلال الدول

وأخيرا فإن نزع السلاح عن الشعوب قد ساعد بشكل كبير في تسهيل احتلال الدول إذا انهارت نظمها الديكتاتورية،

فإذا عجزت الدولة المهيمنة عن إنقاذ عميلها الديكتاتور قد تتدخل بنفسها وتقوم باحتلال تلك الدولة،

وبالطبع لأنها مخترقة لجيشه العميل؛ فإنها لا تجد مقاومة تذكر عند اجتياحها لأراضيه،

وعلى العكس من ذلك إذا كانت الشعوب مسلحة، فإن المقاومة الشعبية سرعان ما تتبلور، وتقوم بصد تلك الاجتياحات ..

إن السماح للشعوب بالتسلح بضوابط يدخل ضمن منظومة الحق في الدفاع الشرعي عن النفس،

ويحقق أهدافا متعددة من أهمها إقرار حالة من التوازن بين أفراده،

بحيث يكون هذا التوازن مانعا من فشو الجريمة، وليس عاملا في انتشارها.