اجعل لَك حَائِلًا بَيْنَك وبَيْنَ مَا يُضَعِّفُ عزيمتَك، ويَشُدّ لجامَك عَنْ الْحَرَكَةِ والِانْطِلَاقِ، لَا تَتَسمّعْ لنزعاتِ الْفَشِل، أَغْلَقْ أَبْوَابَهَا جَيِّدًا، وشَدَّ حزامَك وانْطَلَقْ دُونَ تَوَقُّفٍ، فساعاتُ التَّوَقُّفِ لَهَا مَوْعِدُهَا الْمُحَدِّدِ، لَم يُحَدَّدْ مَوْعِدَ تَوَقُّفِه أَحَدٌ، فَاغْتَنِم سَاعَاتِ الْحَرَكَةِ، فَالسَّاعَة لَهَا مَوْعِد مُحَدَّد، فَإِن شادَّك عَارِضٌ، فَتَحَرَّك ولَو حَبْوًا، فَلَا عَيْبَ أَنْ تُقلِدَ مَشْيَّةَ الرَّضِيع، و إنْ كَانَتْ بِدَايَةَ الْخُطَى.

نَعَم نَمْشِي الهوينةَ و نَحْن نرافقُ الْحَقَّ، وفَالْأَجْرُ فِي الْحَرَكَةِ، والْأَجْرُ فِي السِّيَرِ فِي دُرُوب الْخَيْرِ، نَسِيرُ ونتحركُ، نغرسُ، فنزرعُ، ونَشِيّدُ الْمَبَانِي، ونَحْفِرُ الْإِنْفَاقَ، ونبحرُ فَنُخْرِجُ الْأَصْدَافَ فِي الأعْمَاقِ، نَعَم نتحرك فَنَدْخُل البسمة فِي النُّفُوسِ، نَعَم نَمْشِي فِي الدُّرُوبِ، فنغيثُ الْمَلْهُوفَ، نَعَم نَمْشِي فِي الدُّرُوبِ فنكسِي الْعَارِي الْمُعْدِمَ.

نَعَم نَمْشِي فِي الدُّرُوبِ ونَحْن نُمْسِكُ الْقَلَمَ والْمَحْبَرَةَ والْمُصْحَفَ فنتلُو ونتدبرُ، نَعَم نَمْشِي فِي الدُّرُوبِ ونَحْن نرصُّ الصُّفُوف ونَجْمَعُ الْكَلِمَةِ، نَعَم نَمْشِي فِي الدُّرُوبِ لَنُسْمِعَ كَلِمَةَ الْخَلَاصِ لِكُلّ تَائِهٍ شَارِدٍ، يَبْحَثُ عَنْ الهداية.

نَمْشِي ونَحْن نَجِيبُ دَاعِيَ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ، فنسمعَ نِدَاءَه الْعُلْوِيَّ، يَهُزّ كيانَنا، فَيَبْعَث فِينَا الْحَرَكَةَ والنَّشَاطَ.

يَكْفِي أَنْ نأملَ الْآيَاتِ فِي قُرْآنِنَا، فَنَرَى عَجَائِبَ الْأَسْرَارِ الَّتِي يُوقِظُة فِينَا الْحَاسَّةَ الْمُوَلِّدَةُ لِلْحَرَكَةِ، فَمَا أعَظْمَ آيَاتِ اللَّهِ.

فَفِي «سُورَةِ الْأَنْعَامِ – الآيَة 11» آيَة عَجِيبَةٌ تَقْرَأْهَا و تَقْرَأْهَا، فتدعوكَ لِقِرَاءَتِهَا مَرَّاتٍ ومَرَّاتٍ، فَهِي تَدْعُونَا لَنَسِير فِي الْمَعْمُورَةِ لَنَرَى عَاقِبَةَ الطُّغَاةِ والظَّلَمَةِ والْمُفْسِدِينَ، نَسِير لَنَرَى نِهَايَةٌ عَاقِبَتَهُم {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ اُنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين}

ثُمّ نَسِيرُ فِي رِحَابِ الْكَوْنِ نجدُ آيَاتَه تُخَاطَبُ فطرتنا الَّتِي تَنْطِق بِالْإِيمَان والتَّوْحِيدِ، فَشَجَرُةُ الْإِيمَانِ نبثَتْ بذرتُها فِي كُلِّ قَلْبٍ، يَكْفِي الْمَرْءَ أَنْ يَسِيرَ لِيَرَى عَجَائِبَ صَنَعِ اللّهِ فِي النَّفْسِ والْكَوْن.

فَفِي «سُورَة الْعَنْكَبُوت الآيَة 20» تُخَاطَبُ الْإِنْسَانَ الْمُلْحِدَ النّاكرَ لِوُجُود اللَّه تَتَالَى، كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَسِيرَ ويَتَحَرَّكن فَيَرَى أَسْرَارَ الْخَلْقِ فِي نَفْسِهِ وَفِي مُحِيطِهِ.

{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلَقُ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إنْ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير}

عَلَى الْإِنْسَانِ إلَّا يَتَوَقَّفُ عَنِ الْحَرَكَةِ و السِّيَرَ وَ النَّظَر و الْبَحْث فَالْمَثَلُ يَقُولُ (فِي كُلِّ حَرَكَةٍ بَرَكَة).

تنبعث أثار السنة النبوية فرأيت العجب، وجدت من الإشارات الدلالات التي تحث المسلم على الانطلاق والسير الموجب في رحاب الكون، تدعو خان يحمل الحبل والفأس في بكزر الصباح يطلب الرزق بجمع الحطب، فيكتسب الرزق بالعرق والكد والاجتهاد، بذل مد اليد للغير، يذل نفسه بطلب فتات الصدقة، فالإسلام يربي أتباعه على عزة النفس، فاليد التي تكسب رزقها من تعبها خير من اليد المنكسرة الضعيفة.

وعَنْ أَبي عبدِاللَّه الزُّبَيْرِ بنِ العوَّامِ قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُم أَحبُلَهُ، ثُمَّ يَأْتِيَ الجَبَلَ، فَيَأْتِي بحُزْمَةٍ مِن حَطَبٍ عَلى ظَهْرِهِ فَيَبيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّه بِهَا وَجْهَهُ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يَسأَلَ النَّاسَ: أَعْطَوْهُ، أَوْ مَنَعُوهُ رواه البخاري.

أي جمال تصويري حين يضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل والأمثال والقصص أسلوب تربوي راقٍ، فيرسم لنا صورة العطاء في مخلوق صغيرة، يريدنا أن نتعلم منه النشاط والجدية، يرسم لنا صورة الاعتماد على النفس في كسب القوت، فنستحضر قوة الإرادة الدافعة، فنختار أنسب أوقات النشاط، فيكون طلوع الفجر أنسب الأزمنة لشد حزام الجد، حق للأسنان أن يتعلم  ويتدرب من صغار الطير والحيوان أنسب الأساليب لتحصيل الرزق، فعالم الحيوان مدرسة مغفول عنها، ففي عالمها دروس مفيدة .

حديث عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً[1]، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

من د. علي القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين