كنتُ أتابع إحدى البرامج التلفزيونية التي كانت تُبثُ من فضائية «توركن إيلي» بخصوص الأوضاع الراهنة في كركوك، فانتبهتُ إلى ردود الشارع التركماني الغاضب والى أقوال الأفراد الذين تمتْ مقابلتهم، والى أقوالهم التي تحمل نبرات الغضب المُعبِّرْ، وتتهمُ المسئولين بالتقصير وعدم الاهتمام بمصالح الشعب ومعاناتهم، وأن المسئولين يهتمون فقط بأنفسهم وبعوائلهم وأقربائهم وفي جمع الأموال وشراء القصور سواء داخل أو خارج العراق . وقد تناول البرنامج أمور عديدة منها المواضيع التي تخص الكهرباء والبطاقة التموينية والبطالة والخدمات البلدية ونظافة المدينة والخدمات الصحية وأمور أخرى.

إنَّ موضوع الكهرباء في كركوك يمكن وصفها بكال معانيها بالمهزلة، وأعتقد أن العراق هي الدولة الوحيدة التي لم تتمكن من توفير الكهرباء لمواطنيها بصورة مستمرة منذ سقوط النظام العراقي السابق في نيسان “أبريل” عام 2003م . فأين تذهب هذه الأموال الطائلة؟ وأين العراق من وزير الكهرباء الياباني الذي إنحنى للشعب ليعتذر منهم بسبب إنقطاع الكهرباء لمدة 7 دقائق.

وهناك عدة آراء في موضوع الكهرباء، فالرأي الأول هو التقصير المتعمد، وهي سياسة مقصودة لإشغال العراقيين بموضوع الكهرباء، ومنعهم من الانشغال بالأمور السياسية، ومحاسبة المسئولين حسب القول المعروف «لا تدع العراقي يفكر فإنه إنْ فكرِّ فسيثور”»، فأنا لستُ من مؤيدي هذه المقولة، لأن العراقي إن وُفِّرتْ له وسائل العيش الرغيد فإنه سيصب كل اهتمامه بالعلم والمعرفة وتقدم البلاد، وهذا معروف عنهم منذ نشأة البشرية، وتشهد الحضارات العراقية القديمة التي بدأت منذ عهد السومريين من الأصول التركية بذلك.

والأمر الثاني هو تأثير دول الجوار المزودة للكهرباء لأنهم يجنون من ورائها ملايين الدولارات، وهي أداة لتسيير الحكومة العراقية سياسياً. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل هناك حلول؟

نعم، فالحلول متوفرة ولكنها تحتاج إلى التضحية والعمل الدءوب حتى وإن كانت قضية الكهرباء من مسؤولية الحكومة العراقية. والحل الوحيد هو ما يسمى بالنموذج التركماني..

فعلى جميع النواب التركمان والذين انتخبهم الشعب أن يقوموا بالتبرع من رواتبهم لشراء المولدات الكهربائية وتنصيبها في المناطق التركمانية وسيكون هذا العمل حافزاً لبقية النواب العراقيين لتطبيقها في المحافظات العراقية وبذلك ينطبق القول، «النائب الناجح هو من يخدم ناخبيه».  

والقضية الثانية هي البطاقة التموينية، وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على الدولة وبالدرجة الثانية على المسئولين والأغنياء والمنظمات الخيرية والأحزاب السياسية . فيجب على كل مؤسسة سياسية أن تكون لها هئية خاصة تسمى بمسميات مختلفة مثل هيئة الإغاثة أو الهيئة الخيرية أو أي مسمى آخر، وإن كانت لبعض منها مثل هذه الهيئات فإنها يجب أن تُدعم ماديا من أجل تسهيل أعمالها لخدمة المواطنين.

أما قضية تراكم النفايات فرغم كونها من واجبات البلدية ألا أن المسؤولية تقع على المواطنين أيضا، فنجد في أغلب الأحياء السكنية أو المناطق التجارية وجود منطقة خاصة لرمي النفايات وبمرور الزمن فإنها تتحول إلى أكوام من النفايات التي تسبب الأمراض.

أما القضية الأهم فهي قضية البطالة وتوفير فرص العمل . فكلنا يعلم بأن التعيينات أصبحت من ضمن الصفقات التجارية، والشخص الذي بإمكانه دفع المبالغ المطلوبة إلى المعنيين سيحصلون على الوظائف الحكومية ويشمل هذا تعين أبناء وأقارب النواب والمسؤوليتين، فلو عملنا إحصائية حول هذا القضية فسنجد أن 90% من الذين تم تعيينهم هم من أقرباء النواب أما بقية 10% فتم تعيينهم من أجل إسكات الشعب . والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين الحل؟

فأقول أن الحلول موجودة ولا تتطلب الشيء الكثير بل تتطلب التضحية ومخافة الله.

فلو اجتمع النواب معا وخصصوا جزءا من رواتبهم لإنشاء ورشة عمل أو مصنع صغير فانه سيفتح باب العمل للشباب وإن هذا العمل الصغير سيكون نواة لإنشاء المعامل والمصانع الكبرى في المستقبل .

أما المعظلة الكبرى فهي قضية الانتخابات المقبلة والمرشحين، فرغم قولنا أن المُجرّب لا يُجرّب نجد ارتفاع بعض الأصوات الشاذة التي تُنادي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بانتخاب نفس الأشخاص الذين فشلوا في إدارة الدفة وقيادة السفينة، وأنهم وظفوا مريديهم بنشر هذه الدعايات المغرضة من أجل جس نبض الشارع التركماني الغاضب .

فلا يمكن إقناع الشعب التركماني بالوعود الكاذبة وبالهتافات السياسية الرنانة، فنحن اليوم بحاجة إلى وجوه جديدة عاملة في الساحة السياسية ومدعومة من قبل الشعب والأحزاب التركمانية وإرسالهم إلى بغداد للعمل من أجل نيل حقوق التركمان المشروعة.

وللحديث بقية.

من د. معراج أحمد الندوي

أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية، كولكاتا الهندية