كتب- أبوبكر أبوالمجد

هذا الدين لم يصل إلينا بسهولة؛ بل حمله أبطال، وضحى في سبيل إعلاء كلمة الله أبطال رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

“الأمة” ستستعرض في هذا التقرير سطورًا من حياة أحد الأشاوس الذين قضوا نحبهم؛ ولكنه ليس كأي أحد، فهو أحد خمس رجال كانوا يشبهون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كما تواردتهم السيرة، جعفر بن أبي طالب، والحسن بن علي بن أبي طالب، وقثم بن العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والسائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف.

أما الرجل الذي نحن بصدد تناول سيرته سريعًا، والذي قلما يتدوال اسمه، فهو، قثم بن العباس بن عبد المطلب.

نسبه

قُثَم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.. أمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية وكانت أول امرأة أسلمت بمكة بعد خديجة رضي الله عنها.

شخصيته

عرف، قثم، بحسن الشخصية وقوتها، فولي إمارة مكة، وهو يُعد الأمير السابع عشر لمكة من بداية الفتح وذلك بعد أبي قتادة الأنصاري الذي وليها سنة 36هـ.

مواقفه

روى ابن ماجة في سننه بسنده عن قابوس قال: قالت أم الفضل: يا رسول الله رأيت كأن في بيتي عضوًا من أعضائك قال: “خيرًا رأيت تلد فاطمة غلامًا فترضعيه”، فولدت حسينًا أو حسنًا فأرضعته بلبن قثم قالت: فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره, فبال فضربت كتفه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أوجعت ابني رحمك الله”.
في البخاري: حدثنا أيوب ذكر شر الثلاثة عند عكرمة فقال: قال ابن عباس: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حمل قثم بين يديه والفضل خلفه أو قثم خلفه والفضل بين يديه.. فأيهم شر أو أيهم خير؟

شرح الحديث

قَوْله: “أَتَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم” بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ أَتَى وَرَسُول اللَّه بِالرَّفْعِ أَيْ جَاءَ، وَقَدْ حَمَلَ قُثَم بَيْن يَدَيْهِ وَالْفَضْل خَلْفه وَهُمَا وَلَدَا الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَأَخَوَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَاوِي الْحَدِيث. قَوْله: “أَوْ قُثَم خَلْفه” شَكّ مِن الرَّاوِي، وَقُثَم بِقَافٍ وَمُثَلَّثَة وَزْن عُمَر، لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ رِوَايَة، وَهُوَ صَحَابِيّ، وَذَكَرَهُ الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيّ مَعَ غَيْر الصَّحَابَة فَوَهَمَ. قَوْله: “فَأَيّهمْ شَرّ أَوْ أَيّهمْ خَيْر؟” هَذَا كَلام عِكْرِمَة يَرُدّ بِهِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ لَهُ شَرّ الثَّلاثَة..

أي ذكروا أن ركوب الثلاثة على الدابة معا شر وظلم وهل المقدم أشر أم المؤخر؟ فأنكر عكرمة ذلك واستدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم على جوازه..

عن كثير بن العباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعنا أنا وعبد الله وعبيد الله وقثم فيفرج يديه هكذا ويمد باعيه ويقول من سبق إليّ فله كذا وكذا..

وكان رضي الله عنه أحدث الناس عهدًا بالرسول صلى الله عليه وسلم، قال ابن سعد في الطبقات: “أحدث الناس عهدًا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس, كان أصغر من كان في القبر وكان آخر من صعد.

وكان رضي الله عنه ممن شهد عدة مشاهد مع سيدنا عليّ رضي الله عنه.

شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنهما الجمل وصفين والنهروان، وشهد معه الحسن والحسين ومحمد بنوه وعبد الله وقثم ابنا العباس.
ولما ولي علي بن أبي طالب الخلافة استعمل قثم بن العباس على مكة فلم يزل عليها حتى قتل علي.

وفاته

بقي قثم، إلى أن خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان في آخر إمارة معاوية بن أبى سفيان إلى خراسان، ثم خرج منها فعبر النهر وفتح ما وراء النهر، واستشهد في تلك الناحية وذلك سنة سبع وخمسين من الهجرة.

منهم من زعم أن قبره بسمرقند ومنهم من زعم أن قبره بمرو.

عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في منزله فاسترجع وأناخ عن الطريق فصلى ركعتين فأطال فيهما الجلوس ثم قام إلى راحلته وهو يقرأ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]. ولم يعقب قثم.

أسرة مجاهدة

ويقال: إنه ما رؤيت قبور أشد تباعدًا بعضها من بعض من قبور بني العباس بن عبد المطلب، ولدتهم أمهم أم الفضل في دار واحدة, واستشهد الفضل بأجنادين، ومات معبد وعبد الرحمن بإفريقية، وتوفي عبد الله بالطائف، وعبيد الله باليمن, وقثم بسمرقند, وكثير بينبع أخذته الذبحة.

الصورة

أما الصورة للمحرر فهي من أمام ضريحه رضوان الله عليه بسمرقند، بجمهورية أوزبكستان، وهو معروف في هذا البلد باسم شاه زنده (بالأوزبكية: Shohizinda)‏‎ (بالفارسية: شاه زنده)، و شاه زنده تعني (الملك الحي)، وهو الذي جلب الإسلام إلى المنطقة وقُطِعَ رأسُهُ، ودفن في المكان المعروف حاليا بضريحه.
وثمة مقبرة كبيرة هناك تقع في الجزء الشمالي الشرقي من سمرقند، وتضم أضرحة ومباني أخرى.

المراجع

– الطبقات الكبرى.
– الاستيعاب.
– أسد الغابة.
– مشاهير علماء الأمصار.