عرض

-شاءت إرادة العلي القدير أن أكون من منطقة أكثر سكانها يمتهنون التجارة بكل أنواعها وهو ما جعل ناسها على بساطتهم كثيري الحركة شرقا وغربا شمالا وجنوبا، لكن الغريب أن جميعهم يجمع على مصطلح غريب (ناس الغرب ناس الغرب) مع ريبة شديدة، لكن والواقع العملي عكس ذلك تماما لأن أكثر تجاراتهم مع ناس الغرب وأكثر ثِقَاتِهم رجال من الغرب، وأكبر من أساء لهم وخانهم في أموالهم ليسوا من الغرب، لكن المصطلح ملازم للغرب فقط.

 

وتشاء إرادة الله أن أمشي مع هؤلاء التجار شرقا وغربا شمالا وجنوبا؛ لكن الغريب أن النقطة التي يجعلونها تُكَأة ومدخلا للطعن في الغرب موجودة في كل مناطق الجزائر.

 

لكن الأكثر غرابة أن التشهير أو اللمز بالغرب لم تكن وليدة منطقتي؛ بل وجدتها ثقافة منشرة في كل الجزائر؛ لماذا أو كيف الله أعلم؟!

 

اتصال مباشر

 

تشاء إرادة الله أن يكون لي نصيب في غرب الجزائر المرة الأولى في منطقة فلاحية ناسها يمتهنون الزراعة وتربية المواشي؛ لكن طيبة أخلاقهم والله أفضل من سكان المدن، وجمال هذه القرية والله أفضل من قرى بجاية وتيزي، نظافة وذوق وتناسق مع التزامهم ومحافظتهم المجتمعية أشياء تجعلك تنبهر منها، لبساطتها وتناسقها؛ حتى أنني بقيت فيها وقتا طويلا والله لم أر فيها امرأة باستثناء بنات وهن يتجهن للمدرسة الابتدائية؛ يعني كل ما جعلوه مدخلا للطعن لا مكان له في القرية؛ فبأي حق مصطلح (ناس الغرب).

 

مباشرة ربطت هذا بالتشويه المتعمد لغرب الجزائر؛ لأن الواقع الذي أعايشه عكس الذي يروج له بتلك الطريقة المريبة.

 

اتصال في مدينة حضارية

 

ثم كانت المرة الثانية حيث استقريت في مدينة وهران، أي من قرية والتي تعتبر أصغر نقطة في الجزائر إلى وهران أكبر مدينة حضارية في الجزائر؛ لكن المفاجأة خاصة وأنني تعرفت كثيرا على ناس وهران ومن كل طبقات المجتمع، أساتذة ودكاترة وتجار، والأشد غرابة أنه عن طريق المسجد في وهران تعرفت على رجال من الدولة (جيش درك برلمان)، وكانت هذه أكبر مفاجأة، كيف أن النظرة المشوهة لوهران؛ حيث إنه لا تذكر مدينة وهران عبر القطر إلا ويتبادر إلى ذهن السامع ( العيون ومرجاجو وما تصرف منها ) وهو لم يرهم ولم ير وهران أصلا، وفي الوقت نفسه زوار مرجاجو أو هذا الشيء موجود أيضا في العاصمة سطيف عنابة، مع أنه تيزي وزو بجاية أصبح ثقافة عامة؛ لكن لماذا فقط ربطوه بوهران.

 

سأعطيك المفاجأة الأخرى، أن في وهران أكثر من خمسين مدرسة قرآنية، وفي وهران أكبر شيوخ القرآن،  وكانت هذه لي مفاجأ أشد غرابة من رجال الجيش والدرك وهم يحافظون على الصلاة في المسجد، وهذا ليس في وهران فقط، بل في كل مناطق الغرب الجزائري، حيث في كل مسجد تجد طلبة يحفظون القرآن؛ سألت عن هذا؟

 

أخبرت ثقافة متبعة، أي موروثة أبا عن جد، ولا يستطيعون الاستغناء عنها، حتى مدينة مثل معسكر لو ترجع ثلاثين سنة للوراء من المستحيل أنك تجد معسكري ولا يحفظ القرآن أو نصفه أو ثلثه،

 

فهذه المخرجات كانت لي جوابا مبدئيا لماذا يشوهون مدينة معسكر.

 

اتصال خارج الوطن

 

الأشد غرابة، كنا في سوريا، وكانت ثقافة الجزائريين نوعا ما متصادمة، بين سلفي جهادي وعلمي وإخواني وأشعري، وجزائري لا علاقة له بكل ما سبق، لكن تبقى فكرة المنطاق مسيطرة، ناس الشرق ناس الغرب ناس العاصمة؛ لكن الحقيقة أن شباب الغرب كان أكثر اندماجا مع الجميع؛ حيث كانوا هم فعلا الممثل الحقيقي للطلبة الجزائرين.

 

أعطيكم مثالا: على فرض صديق تريد أن تبحث له عن مسكن مع طلبة جزائرين.

 

لا تحاول ولا تفكر أن طلبة العاصمة أو الشرق (مع احترامي للجميع لكن أحكي واقعا أنا شاهد عليه) سيقبلون به؛ إذا ما هو الحلّ

 

ابحث إذا عن طلبة من الصحراء أو طلبة من الغرب؛ لأنهم لا يردون من طرق الباب، وعندي قصص كثيرة في هذا.

 

من خلال تعارفنا على شباب الغرب صرنا نتزاور يأتون عندي وأذهب إليهم، وبطبيعة الحال كنت أزورهم في بيوتهم، لا تجد إلا كرما وأخلاقا ورقيا، والله حتى أنك تتصل بالأخ تعالى نتقابل في المكان الفلاني نشرب قهوة زيارة خفيفة، والله يعمل المستحيل ليأخذك لزيارته في البيت، حتى صرنا لما نزور الولاية لا نخبر أصدقاءنا حتى نخرج منها؛ لعلمي أنهم سيفرضون عليك الضيافة عندهم مهما كان تبريرك.

 

السؤال: لماذا لا يذكرون أخلاق الغرب كرم الغرب قرآن الغرب!

 

عاطفيا تقول: ممكن تقل فقط الناس الذين تعرفهم بتلك الصفات وإلا الغرب كله نموذج للعيون ومرجاجو؛ وإن كان الواقع الذي عشته عكس ذلك تماما.

 

المفاجأة الكبرى

 

شاءت الأقدار وبدأت أدرس تاريخ سيدي الأمير عبد القادر، وبدأت أتتابع رجالات الأمير، والقبائل التي بايعت سيدي الأمير، لكن المفاجأة أن كل قبيلة من الذين بايعوا سيدي الأمير هي اليوم أكبر المناطق تهميشا على مستوى القطر الجزائري؛ كنت أظن بداية أن التهميش كان في القِيطنة وتَاقدامت والمدية فقط لأنهم كانوا من المفترض أن يكونوا العواصم الحقيقية للدولة الجزائرية.

 

فكل قبيلة من الذين بايعوا سيدي الأمير وإن كان منطقتها الجغرافية تفرض عليها أن تكون منطقة حضارية لكن بفعل فاعل جعل منها خرابا، قرى مدمرة مهمشة، غايتهم فقط أن تكون لهم مدرسة أو حافلة مدرسية لأطفالهم.

 

قبل أن تبدأ في التفكير لماذا هذه القرى والبلديات مهمشة كل هذا التهميش وإن كانت منطقتها تفرض عليها أن تكون مركزا تجاريا يريط بين الشرق والغرب أو الغرب والجنوب؛ فقبل أن تفكر في الجواب عن هذا السؤال؛ يجب أن نفكر من الذي غرس ثقافة كره وتشويه غرب الجزائر.

 

يتبع إن شاء الله.

من محمد عبد العاطي

باحث في مقارنة الأديان