الحلقة الأولى

المقدمة:

يواجه التركمان اليوم مرحلة سياسية عصيبة تُعتبر من أصعب المراحل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى،

وقد تتعقد بمرور الزمن فيما إذا لم يتم التعامل معها بصورة فعلية وواقعية وبعقلانية، وتطرح معها الكثير من التساؤلات حول مستقبل القضية التركمانية وما آلت إليه الأمور بعد أن تَجلّت الحقائق وانكشفت الخفايا والنوايا وهوية الأشخاص المعنيين،

أسباب عديدة

ويعزو ذلك إلى أسباب عديدة سيتم ذكرها وتحديدها كل على حدا وبالتفصيل مع ذكر المسببات وكيفية التعامل معها وطرق تجاوزها والاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث.

 

ونظراً لسعة موضوع علم السياسة وتعقيداته الفهمية وتشعب فروعه الذي يحتاج إلى مجلدات لشرحه، وحجم الدروس التي آمل أن يستفيد منها الساسة والسياسيين التركمان وتطبيقها في جداول أعمالهم وفي أروقة البرلمان العراقي،

والتأثير على الحكومة العراقية لتوضيح الصورة الحقيقية للقضية التركمانية التي باتت تتنفس أنفاسها الأخيرة،

وتطبيقها أيضاً في العلاقات الخارجية وفي اللوبي الداخلي والإقليمي واللوبي الخارجي الذي تقوَّضَ وتعرض إلى الابتزاز

بعد إغلاق ممثليات الجبهة التركمانية العراقية في الخارج من قبل الدراويش ومريديهم الذين حاربوا الجبهة التركمانية ولا يزال يحاربونها بكل قوة،

لذا فقد ارتأيت أن أقدم هذه الدروس على شكل حلقات مبسطة ليتسنى للقارئ الكريم الاستقراء والتعمق والبحث في ثناياها وخفاياها وفهمها واستيعابها بإمعان.

 

إنّ المتأمل في ثنايا صفحات التاريخ والسياسة بعد إنعام النظر فيها يَجِد أنّ السياسة هي عامل من عوامل الحياة،

ومهنة مارسها الملوك والقادة في أركان دولتهم وفي علاقاتهم الخارجية مع الدول والشعوب المجاورة لهم؛

وقد مُورست السياسة في عهد معظم الحضارات السومرية والبابلية والتركية والصينية واليونانية والفارسية القديمة أيضاً.

السياسة والعمل السياسي

ورُبَّ سائل يسأل، هل أن السياسة وحدها كافية في العمل السياسي،

أم أنها بحاجة إلى مُقوّم آخر وهو التاريخ؟

وقد سألني أحد الأصدقاء عن سبب تطرقي إلى مواضيع التاريخ في معظم مقالاتي السياسية،

وآمل أن يكون جوابي مقنعاً له باعتماد على المقولة المشهورة «من لا تاريخ له لا حاضر»

لأن التاريخ هو الحافز الأساسي لتقدم ونجاح الأمة،

ومن التاريخ نتعلم الدروس والعبر، لذلك كلما كانت الأمة متمسكة بتاريخها وخاصة بالتاريخ التركي المُشرف تكون في حالة أفضل من قريناتها،

واليوم تتجلى لنا حقائق ارتباط التاريخ بالسياسة لأن الحرب اليوم

وخاصة في هذا القرن من الزمان هي حرب العقول وغزو الثقافات فالأمم غير المتمسكة بتاريخها وثقافتها معرضة للزوال.

 

إذن فهناك ثَمة تلاحم وثيق بين التاريخ والسياسة، كما وأنهما توأمان لا غنى لأحدهما عن الآخر،

فالتاريخ يعكس لنا الماضي بكل جوانبه من الثقافة والفكر والتعليم وأسلوب الحياة وأساليب الحُكم

وكل ما يتعلق بالمجتمع من الجغرافيا والحضارة وغيرها،

أما السياسة فهي أسلوب تطبيق مكونات التاريخ على أرض الواقع لنيل الحقوق المشروعة.

السياسة والتاريخ

ويؤكد المختصون بعلم السياسة، أنَّ السياسة تدخل ضمن التاريخ، وأنها جزء منه، وأنها من بعض اهتمامات التأريخ.

ولا شك أنه من الصعب فهم الظواهر السياسية المعقّدة بمكوّناتها المتعدّدة والمتنوّعة إلا في سياقها التاريخي،

فالسياق التاريخي هو دراسة التاريخ للحدث من حيث الزمان والمكان،

والعلاقات القائمة بين أطراف الحدث، والأدلة والوثائق التاريخية.

وتتجلى هذه العلاقة من خلال ما يقوم به المؤرخون بإبراز الجوانب المختلفة للحدث من خلال الوثائق المتوفرة،

والأمثلة عليها كثيرة، منها إبراز الوثائق والخرائط والإحصاءات والوقائع التاريخية التي تثبت الهوية القومية لبقعة من البِقاع..

وهنا تظهر العلاقة مجدداً بين المؤرخين والسياسيين، وبمعنى آخر بين التاريخ والسياسة حيث يقوم المؤرخون بدراسة الوثائق المتوفرة لاستجلاء الحقائق،

ويقوم السياسي بدوره بتحديد حقيقة ما حدث والعمل مع النخبة السياسية على إدراكها لما حصل، وعلى ضوئها تُتخذ القرارات اللازمة بخصوصها،

ويتم رسم خارطة الطريق ووضع الإستراتيجية الخاصة بها ومن ثم تطبيق آليات العمل وأسلوب تطبيق التكنيك اللازم على أرض الواقع.

 

وتفتح لنا العلاقة بين التاريخ والسياسية باباً يُرشدنا إلى العلاقة بين الإستراتيجية والتكنيك !!. إذن،

نستنتج بعد الدخول من هذا الباب إلى أنَّ مفهوم الإستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي عنصران مهمان في السياسة،

وسيتم التطرق إليهما بالتفصيل في الحلقات القادمة ان شاء الله.

مؤسسات سياسية أم شعارات

والسؤال الذي يطرح نفسه:

هل أن مؤسساتنا السياسية لديها إستراتيجية واضحة في عملها السياسي؟

أم أنها فقط شعارات، مثل الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً؟

وإن كانت لها، فلماذا لا تقوم الأحزاب بتوضيحها وعرضها على الشعب من خلال الندوات واللقاءات التلفزيونية أو حتى بطبع كراسات خاصة بها؟

لأن الشعب التركماني بات لا يَعرف أين سترسي سفينتها السياسية..

هل سترسِي في بر الأمان، أم أنها ستبقى في عرض البحر تصارع الأمواج  حتى تغرق؟

ومَنْ مِنَّا لا يريد وحدة العراق أرضاً وشعباً؟

ومن مِنَّا لا يحب العيش بإخوة مع باقي مكونات الشعب العراقي؟

ولكن يجب الاستعداد للأيام القادمة وللطبخات السياسية التي تعمل على تجزئة العراق إلى أقاليم أو مكونات قومية وطائفية؟

وأين سيكون موقف التركمان من هكذا مشاريع، وماذا أعدّوا لها؟

وما هي الأسباب التي جعلت التركمان يفقدون مركزهم السياسي في بغداد خلال العشر السنوات الأخيرة؟ وهل نلوم أنفسنا أم نلوم السياسيين أو نلوم الحكومة العراقية؟

كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة.

 

على أمل اللقاء بكم في موضوع الحلقة الثانية “تعريف علم السياسة”.

من د. معراج أحمد الندوي

أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية، كولكاتا الهندية