من حين إلى آخر تطل علينا الشعوبية بوجوه ذات صور وألوان وأشكال شتى. لعل أخطرها ذلك الوجه النفاقي المتجمل بطلاء (حيادية البحث والحقيقة المجردة). وتبعهم جِبِلٌّ كثيرٌ من الجمهور: نخبةً وعامة؛ بسبب الإشاعة والإذاعة والتكرار، وغيرها من مناشط الإعلام الخطيرة، على قاعدة (كل مكرر مقرر).

 

من صور ذلك الوجه النفاقي دعوى كبيرة كتب لها من سعة الانتشار وسرعته بحيث ما إن هبت ريحها الصفراء من هضبة (إصطخر) حتى تلاطمت بها أمواج الخليج في الشرق لتصل (هزاتها الارتدادية) إلى أطراف المحيط في الغرب!

 

تنص الدعوى على أن معظم علماء الإسلام كانوا من الفرس، يستوي في ذلك علماء الدين واللغة وباقي العلوم الإنسانية، وعلماء الطب والرياضيات وباقي العلوم الطبيعية. تتوجها مقولة مصنعة بطريقة جاذبة، هي: (السيف للعرب والدرع للترك والقلم للفرس)! وتترجم هذه العبارة إلى عبارة أخرى.. (اللغة العربية لغة الدين والتركية لغة الحرب والفارسية لغة العلم)! مع الإيحاء، والتصريح أيضاً، بأن حضارة العرب والإسلام لم تكن نتاج فكر عربي.

 

وحتى تسلم هذه الدعوى لا بد من وجود:

 

– جهد يقوم على التلبيس والتدليس.

 

– وعقل تقبلي تسطيحي تستغرقه ظواهر الأمور، عاجز عن الغوص في حقائقها. وهو صفة معظم الجمهور في كل المجتمعات.

 

– أو عقل لا تسنح له الفرصة أو لا يجد الدافع أو لا يشعر بالتحدي الذي يسوقه للبحث والغوص في باطن الأمور؛ فينساق وراء ما يردده الإعلام. وهو حال معظم النخب.

 

– يترافق ذلك بسكوت العارفين وتقاعس العالمين، وتداول العلم فيما بينهم وترك المجتمع نهبة للإعلام: المغرض منه، والغافل عن الحقيقة.

 

ثم إن الفرس امتازوا بقدرتهم على استثمار ما لديهم من خرافات وأساطير وزيوف التواريخ لتحويلها من إطار المادة المتداولة بين النخبة إلى فضاء الثقافة الشعبية، عن طريق الإعلام والإشاعة والتكرار وغير ذلك من الطرق. بينما تجد علوم العرب عادة ما  تدور في إطار العلم وساحة العلماء، وقلما يأبهون لإخراج العلم من إطار النخبة وتحويله إلى ثقافة عامة. وبهذا تتغلب أسطورة الفرس على علْم العرب.

 

هذه هي إحدى المهام الحضارية التي ينبغي أن ينهض بعبئها (التيار السني)؛ إذ نكل الآخرون عن هذه المهمة الخطيرة. والأمر مختصر بخطوتين:

 

تحرير العلم.

تحويل العلم إلى ثقافة، باتباع الوسائل المناسبة – وأولها الإعلام – التي تخرج بالعلم من قمقم النخبة إلى فضاء الجمهور.

هل تعلم ..؟!

في السجال العلمي يعجبني أسلوب الضربة القاضية. وعندي من هذه النوع من الضرب الكثير المتنوع. والسر في هذا الثراء بسيط، هو أنني قرأت القرآن العظيم وتعلمت كيف أحبو وراء منهجه (وفي عاتقي سلة من ثمر). خذوا عني هذه الضربة المتنوعة المفردات، التي سأختمها مقدماً قبل أن أوجهها إلى هدفها، بهذا السؤال: إن كنت تخالفني فأثبت العكس. مع ضرورة وضع كلمة (هل تعلم؟) أمام كل مفردة:

 

– أن معظم علماء الإسلام في جميع حقول العلم والأدب والفن هم من العرب !

 

– ليس لدى الفرس حضارة أصيلة، قاموا بإنتاجها ذاتياً. إنهم يستوردون أو يسرقون حضارة غيرهم؛ ليستهلكوها لا ليصنعوها. ثم يخربوا أو يزيفوا ما تبقى منها !

 

– الفرس أمة أمية بحكم القانون الرسمي للدولة! وتعلم القراءة والكتابة يقتصر في قانونهم على طبقتي الملوك ورجال الدين. وأن نسبة الذين يجيدون القراءة والكتابة في المجتمع الفارسي ما كانت تتجاوز 1%!

 

– ليس للفرس خط للكتابة خاص بهم! كتبوا قديماً بالخطر المسماري بمختلف مراحله، ثم تحولوا إلى الخط العربي !

 

– أن اللغة الرسمية للدولة الفارسية كانت عربية سريانية (يسمونها آرامية للتغطية على أصلها العربي. علماً أن كلمة “آرامي” ليس لها من العلم رائحة)!

 

– أن أول بيت شعر قاله فارسي باللغة الفارسية في تاريخهم كله قبل الإسلام لم يكن قبل سنة 180هـ! أي في زمن المأمون. سوى بيتين أو ثلاثة لبهرام عندما كان غلاماً يتربى في بلاط الحيرة، قالها تأثراً بما يحيط به من بيئة حافلة بالفن والأدب والجمال!

 

– ليس في تاريخ الفرس عالم واحد ولا كتاب واحد في أي حقل من حقول العلم والأدب والفن!

 

– وهل تعلم…؟! وهل تعلم..؟!

 

بالمناسبة.. السؤال التعجبي (هل في تاريخ الفرس قبل الإسلام عالم أو كتاب!)، الذي وجهناه إلى من لا يعلم من ذوي النوايا الغافلة، وإلى من يتعالم من ذيول الشعوبيين، في مقال عنوناه بالسؤال نفسه يوم 17/9 الماضي.. لم يجب عليه أحد حتى الآن. علماً أننا طرحنا هذا السؤال للتحدي منذ قرابة ثلاث سنين.

 

ضربة قاضية حقاً!