روبرت جرين وهو صاحب كتاب «قوانين الطبيعة البشرية» قد أعترف بكم كراهية كبير فى قلبه نحو الواقع المليء بنفاق الناس ونزعة الوصولية لدى البعض ولكنه وجه طاقة كراهيته لشيء ايجابي في شكل كتابات ومؤلفات وألف كتاب «48 قانون للقوة» والذي أصبح من أفضل الكتب في التاريخ وتبع ذلك الكتاب ما يقرب من ست كتب وضعت الكاتب بين عظماء الكتاب في التاريخ، واليوم سنتحدث عن كتاب روبرت جرين «واجه واقعك المظلم، قوانين الطبيعة البشرية».

 

والجانب المظلم في شخصية الإنسان هو مجموعة الصفات التي ينكرها ويحبسها في قرارة نفسه، وفى بعض الأحيان نتيجة الظروف المحيطة وخاصة عندما يفقد الفرد السيطرة على عقله ويفشل في كبح جماح نفسه، يخرج هذا الجانب المظلم للحياة لترى شخصية مختلفة تماما أمامك وهذا ربما يصيبك بالدهشة أو خيبة الأمل، وعلى سبيل الذكر عندما تجمعك علاقة طيبة بأحدهم ويكثر من مجاملتك وتعامله بشكل جيد ويكون كل شيء على ما يرام، إلا إنه بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار وربما لسبب بسيط جدا يقوم نفس ذلك الشخص بإهانتك وتجريحك وغمرك بوابل من الكلمات التي تتركك في ذهول.

 

وهنا لا بد أن نؤكد أنه ليس في كل الأحيان يكون السبب هو الضغوط التي يتعرض لها ذلك الشخص والتي تجعله يفقد السيطرة على شعوره ويسيء لك، وإنما الحقيقة هي أن ذلك الشخص قد سأمت نفسه ذلك الدور الذي يلعبه أمامك بطريقة لا شعورية لتخرج مشاعره الحقيقة نحوك ونحو غيرك ويترك العنان لجماح نفسه لتفعل ما تريد وهذا هو الجانب المظلم الذي لم تر منه شيئًا في السابق، وهنا يسقط القناع الذي أخفى عنك حقيقة ذلك الشخص ليفرغ كل ما في نفسه من حقد وكراهية نحوك.

 

ولولا وجود ذلك الجانب المظلم لسمعت كلمات عتاب فقط وستشعر بمدى حب الأخر لك عندما تفعل ما يغضبهم وهم يعاتبوك لترى في أعينهم الحزن مما فعلت وربما الصدمة ولكن لن ترى أبدا الكراهية والحقد والفرق يكون واضح جدا.

 

وقد ذهب بعض المفكرين لفكرة أنه حتى عندما يكون أحدهم تحت تأثير المخدرات فما يفعله يعكس ذاته الكامنة والتي فكت قيودها لتخرج للوجود وتدمر وتسيء بلا رقيب وبلا مراعاة للدين والأعراف، ويعلل هؤلاء المفكرين ذلك ببعض الأدلة مثل الأفعال المتناقضة للبعض نحوك، فمن الطبيعي أن يكون تعامل الشخص معك ثابت لفترة طويلة إما قربا أو بعدا ولكن غريب جدا أن تجد أحدهم يحبك اليوم ويمدحك وفى الغد ربما ترسل له رسالة فيهمل الرد عليك وعندما تحدثه تجد البرود في عاطفته نحوك.

 

وهذا أمر واضح جدا ولتعرف أن هذا الشخص ما أكن الود لك أبدا، وعندما كان يمدحك منذ أيام فقد كان يلعب دورا لا وجود له في قلبه نحوك، ويذكر العلماء مثالا وهو انفجار المشاعر لدى البعض مثل الشخص الذي ينهمر فى البكاء فجأة أو الشخص الذي يظهر غضبه بشكل مفاجئ فتصاب بالذهول، وهؤلاء ممن لديهم صراع داخلي بين مشاعر متضاربة فأحد تلك المشاعر يود الخروج للحياة ولكن غيرها لا يريد كشف الحقيقة.

 

والسؤال: هل كل البشر يعانون من ذلك، في رأيي أن الجميع يصارع النفس أحيانا وحتى الأديان تذكر الصراع الذي يكون بين نفسك التي تميل للضلال وبين الشيء المضيء بداخلك الذي يكبحها ويمنعها وربما يكون هذا الشيء هو علاقتك القوية والطيبة برب العالمين أو حبك لوالديك وتمنى أن يراك كلاهما في أحسن حال وربما يكون لأسباب يطول شرحها مثل عقليتك الفذة التي تدرك جيدا أن اتباع هوى النفس مهلك وسيعرضك لأهوال ومشكلات أنت في غنى عنها ، وكما تقول الحكمة فإن وقتك إن لم تشغله بالحق شغلك بالباطل، والسبب الرئيسي في هذا هو الجانب المظلم في الطبيعة البشرية.

 

ومن الأمور التي تفضح هذا الجانب المظلم هو الإنكار الشديد لدى البعض وهذا ما يعانى منه الكثير وهو دليل واضح على أن هذا الشخص لديه حساسية شديدة من الناس ومن رأيهم في عقليته ولا يدرى أن تلك الصفة تفضح الجانب المظلم في شخصيته، والشيء الأخر هو السلوك العرضي كالشخص الذي يعدك مثلا بالإقلاع عن التدخين مرارا وتكرارا ولا يستطيع وربما يأتي شهر رمضان المبارك وتخبره أنها فرصة جيده ولكن يفشل في قيادة نفسه لفعل ما هو صواب، ولتفكر مثلا في شاب يفعل المعصية وفى كل مرة يعد والديه بالتوبة ولا يفي وهذا شاهد قوى على هذا الجانب المظلم من شخصيته.

 

ولتفكر أيضا في من لديهم التعصب للقناعات فمثلا ربما تجد شخص لديه أفكار سياسية مختلفة وربما يؤيد الحاكم الظالم وعندما تحاوره يسرد لك الحجج وحتى الباطل منها لإثبات وجهه نظره ويكون لديه رفض تام للرأي المختلف، ولتنظر فقط للمنافقين من الإعلاميين العرب الذين يبررون كل المساوئ ويعددون الحجج الواهية وعندما تمعن النظر تكتشف أنهم في قرارة أنفسهم يدركون الحقيقة تماما ولكن التفوه بالحقيقة ربما يسلبهم المنافع المادية العظيمة التي يتمتعون بها وربما يتعرضون لخطر لا يريدونه وهذا دليل دامغ على جانب مظلم جدا في أنفسهم.

 

وأحمد الله أن القليل وليس الكثير من هؤلاء تمادوا جدا لدرجة أن أنفسهم ضلت تماما لترى الحق باطل والباطل حق، ولتنظر كذلك لمن لديهم الميل للوم والإسقاط على الآخرين ولنأخذ مثال واحد على شخص لديه طموح الوصول لهدف في حياته وهذا أمر حسن ومشروع ولكن الغريب عندما يقابل شخص قد وصل بالفعل للهدف يحتقره ويحاول التقليل من نجاحه وهذا الشخص يرى الغنى جشع وطماع ويرى من حصل على منصب أو وظيفة جيده ربما وصل إليها بالوساطة أو الرشوة ويرى الشاب المجتهد مهملا لحياته والأمثلة تطول وكلها تشير لجانب مظلم في شخصيته، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن السبب الرئيسي الذي يجعل غالبية الناس يفضلون مشاهدة أفلام الجريمة هو ذلك الجانب المظلم فمشاهد القتل والتنكيل والدماء تشبع رغبات شيطانية داخلهم.

 

والسؤال الذي لا بد أن نطرحه ليكون النقاش بناء: كيف نستطيع تحويل الجانب المظلم لشىء مبهج يدفعنا للخير ولما فيه نفع البشرية والأهم لرضا الله عز وجل؟

 

الخطوة الأولى هو الاعتراف بوجود هذا الجانب المظلم أمام نفسك بدلا من إنكاره، نعم نحن بشر ونتمنى رؤية أنفسنا في أفضل صورة ولكن الاعتراف بوجود المشكلة هو الخطوة الأولى نحو الحل، فلو لم تعترف بأنك مريض ما ذهبت للطبيب، ولو لم تعترف بأهمية التعليم ما أكملت دراستك، ولو لم تعترف بأهمية العمل ما سعيت للوظيفة، والخطوة الثانية هي دراسة ومعرفة جانبك المظلم، وفى رأيي تلك الخطوة هامة جدا فستجعلك تمعن التفكير في طرق إصلاح نفسك وستتوقف عن متابعة الناس ومحاولة رصد تحركاتهم فمن يهتم كثيرا بعورات الناس هو شخص أقلع عن إصلاح نفسه وأضاع راحته وربما أخرته، والخطوة الثالثة هي توجيه ذلك الجانب المظلم لأفعال إيجابية، وفى رأيي ربما تكون تلك الخطوة هي الأصعب ولكنها الأكثر أهمية.

 

وشخصيا ومنذ عشرة أعوام كنت أراسل العديد من المؤسسات العلمية في مصر والوطن العربي ولكن كان يصدمني عدم رد تلك المؤسسات على مئات الإيميلات التي أرسلتها لهم حتى وزارة التربية والتعليم المصرية التي كنت معلما بها كلما أرسلت إيميل أو رسالة لهم لا يتم الرد، وعلى الجانب الآخر كلما أرسلت إيميل لمؤسسة تعليمية أجنبية كان الرد يأتي.

 

تلك التجربة تركت أثرا في نفسي وبدأت أفكر بسلبية وأمقت المؤسسات العربية ولكن لمعت في عقلي تلك الفكرة الجيدة وهى أن أتواصل فقط مع المؤسسات التعليمية المحترمة التي تقدر العمل ولديها فلسفة رقى التعامل وأنسى تماما أي شيء سلبي يعيق ما أهدف إليه، وما أجمل أن تستغل طاقتك فى أشياء ايجابية مثل الاستماع لمعلومة أو التدبر في معنى أية قرآنية بدلا من جمع معلومات عن جيرانك أو الحقد على من هم في ظروف أفضل حسب وجهه نظرك مثلا، تلك الخطوة ستساعدك في السيطرة على الطبيعة المتمردة التي بداخلك والتي تدفعك للشكوى والانتقاد طوال الوقت.

 

والأهم من كل ما سبق أن تدرك أن الدنيا دار اختبار وليس دار قرار وأن الله أراد لك دورا في هذه الحياة وأنت من يحدد ذلك الدور، ولتمعن التفكير في قول الله عز وجل {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وتذكر أن تأملك في الكون عبادة وبر والديك عبادة والإحسان لجيرانك عبادة والاجتهاد في عملك عبادة والسعي على رزقك عبادة وإماطة الأذى عن الطريق عبادة وتبسمك في وجه أخيك صدقة وعبادة، وتذكر جيدا قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) والإيمان الذي يشير إليه الحديث هو الإيمان الكامل التام الذي يريده الله لك، فلتحب للناس ما تحبه لنفسك ولتصلح نفسك أولا ولتترك تتبع عورات الناس لتكون من الفائزين.