كنت أسكن في الحي الإيطالي بنيويورك في منطقة «كارول جاردن – بروكلين».. وكان المطعم الذي يمتلكه شقيقي الأكبر «مختار» لا يبعد سوي دقيقتين أو ثلاث عن مكان السكن.. والحقيقة أن الأمريكان ذوو الأصول الإيطالية ودودون للغاية.. ولا تكاد تشعر بينهم بالغربة.. فهم يحبون حياة الألفة والتقارب بين الجيران وكأنهم أسرة واحدة… ربما أكون أكثر أشقائي (كنا خمسة نعيش في نفس المنطقة) إدراكا لتلك المعاني حيث إنني الوحيد من بينهم الذي عاش في عدد من الدول الأوربية لفترات طويلة وأعرف أسلوب الحياة ونمط التفكير الأوربي (خاصة الهولنديين.. فهم من أسوأ الشعوب التي يمكن أن تقابلها في حياتك).. أما الأمريكان فالحقيقة أنهم شعب مختلف.. وعن تجربة معيشية وخبرة أتحدث.

 

في مثل أيامنا المباركة هذه.. حيث موسمُ الحج.. كان («فيليب وزوجته ماريا» يشربان القهوة (في مطعم أخي مختار) وقد أمسك كل واحد منهما بالجريدة..

ونادتني «ماريا» قائلة (بالإنجليزية طبعًا): مامدو.. ممكن أسألك سؤال؟

فقلت: طبعا..

فقالت: ما اسم هذا المبنى الذي تقومون بالدوران حوله أثناء الحج؟..

فقلت: الكعبة..

فقالت: صحيح.. إنها الكعبة وأنا أعرف ذلك ولكنى نسيت الاسم..

فقلت لها: هل تقومين بحل «كروس وورد بازل» يعنى الكلمات المتقاطعة؟

فقالت: بالفعل هذا السؤال في الكلمات المتقاطعة.. وكلها تتحدث اليوم تقريبا عن موسم الحج عند المسلمين..

فقلت لها: وهل لديك معلومات كافية عن الإسلام؟؟

فقالت: درسنا في المرحلة الثانوية شيئا عن الإسلام.. أعرف أنكم تعبدون «محمد»..

فقلت لها في دهشة: المسلمون يعبدون محمدا (صلى الله عليه وسلم).. هل هذا ما قاموا بتدريسه لكم؟!

فقالت: نعم.. ألستم تعبدونه؟

فقلت لها: للأسف لقد كذبوا عليكم وخدعوكم.. المسلمون يعبدون الله وحده لا شريك له.. وأما محمد (صلى الله عليه وسلم) فهو نبي ورسول.. وهو بشر مثلى ومثلك.. ولكنه هو من يدلنا على الطريق إلى مرضاة الله..

فقالت في دهشة: أنتم لا تعبدون محمدا ولا تؤدون الصلاة لأجله؟

فقلت لها: إطلاقا.. نحن نعبد الله وفقط..

فقالت في دهشة: معلوماتي عنكم غير ما أسمع منك الآن.. عموما فهذا يعنى أنه ليس بيننا وبينكم أي اختلاف.. فنحن نعبد الله كذلك..

فقلت لها: نحن نعبد إلها واحدا لا شريك له.. أما أنتم فتعبدون ثلاثة آلهة (إن ذا نيم أف ذا فاذر.. ذا سن.. أند ذا هولى اسبيرت) الآب والابن والروح القدس..

وهنا قام فيليب بطيِّ الجريدة وتدخل في الحوار قائلًا: ولكننا نقول: إله واحد.. آمين.. فهم ثلاثة في واحد.. ثم عاد لإكمال قراءة الجريدة!

فقالت ماريا: بالفعل نحن نقول إنهم إله واحد.. فقلت لها: هل من الممكن أن تناوليني هذه (الكُبَّاية).. والحق أنني قد نطقت الجزء الأول باللغة الإنجليزية ثم نطقت (الكُبَّاية) باللغة العربية.. وبالتالي فقد فهمت أنني أطلب منها أن تناولني شيئا ولكنها لم تفهم ما هو هذا الشيء الذي أريده؟

فقالت: ماذا تريد أن أناولك.. فقلت لها (باللغة العربية): الكباية…

فقالت باستغراب: هل هذه كلمة إنجليزية؟

فقلت لها: لا.. بل هي كلمة عربية ومعناها (جلاس)..

فقالت في ارتباك: هل تريد أن تشرب؟

فقلت لها: بل أريد أن أوصل إليك بعض المعاني.. إن الإنسان حتى يفهم المراد المقصود فلابد وأن تحدث في نفسه ترجمة وصورة ذهنية.. وبدون تلك الصورة الذهنية فإنه لا يفهم ولا يعي المقصود أو المراد.. وأنا حين قلت لك باللغة العربية (كباية) لم تفهمي مرادي لأنه لم تحدث لديك ترجمة وصورة ذهنية للكلمة برغم سماعك للفظها.. فلما قلت لك بالإنجليزية أنها تعنى (جلاس) حدثت لديك ترجمة ذهنية لشكل (الكباية) وزال الإشكال..

فقالت باهتمام: كلامك صحيح..

فقلت لها: أنت تؤمنين بثلاثة في واحد على نسق الشمس.. فالشمس لها كتلة وحجم وأشعة ضوئية.. أليس كذلك..

فقالت: بالفعل..

فقلت لها: وهل حين تسمعين كلمة (الشمس) تأتى الأشعة في ذهنك بمفردها على حده.. وتأتى الكتلة بمفردها على حده.. أم تأتى الشمس كصورة ذهنية وكتلة واحدة بظواهرها وصفاتها؟!

فقالت: تأتى ككتلة واحدة بظواهرها وصفاتها.. فقلت لها: وما هي الصورة الذهنية التي تقفز إلى خيالك حين تقولين: الآب؟

فقالت: تأتى صورة (فرى فرى هيوج مان.. يعنى رجلا ضخما جدا جدا) فقلت لها ممتاز.. وماذا يتبادر إلى ذهنك حين تقولين: وباسم الابن؟ فقالت تأتى صورة ذلك الشاب صاحب العين الزرقاء واللحية الصفراء التي نراها في الكنيسة للمسيح..

فقلت لها: وماذا يتبادر إلى ذهنك حين تقولين: والروح القدس؟

فقالت: تأتى صورة طائر ضخم جدا جدا…

فقلت لها: الشمس تأتى في ذهنك على صورة واحدة بجميع صفاتها ومظاهرها.. وأما (الآب والإبن والروح القدس) فإنها تأتى على ثلاث صور ذهنية مختلفة.. أليس كذلك؟!

فقالت في ارتباك: صحيح..

فقلت لها: وهل يمكن لثلاث ذوات.. بثلاث صور ذهنية مختلفة.. أن تكون شيئا واحدًا يا ماريا؟!

فقالت بانفعال شديد: أين قرأت هذا الكلام؟

فقلت لها: للأسف هو باللغة العربية ولكن يمكنني أن أحضر لك كتيبات عن حقيقة الإسلام من المركز الإسلامي إن شاء الله.

 

هؤلاء الناس يا ساده لا يعرف سوادهم الأعظم حقيقة عظمة ديننا.. هؤلاء الناس يا ساده قام الإعلام الصهيوني الماسونى بتشويه حقيقة الإسلام في حسهم.. وقامت الجماعات التكفيرية الجاهلة بإعطاء الإعلام الماسونى فرصة ذهبية لتثبيت الصورة المُنفِّرة عن الإسلام في أوساط تلك المجتمعات الجاهلة.. وصدق الله عز وجل إذ يقول: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (سورة النحل، الآية 94)… الآية فيها مبالغة في النهي عن معاشرة الناس (كل الناس) ومخالتطهم ومعاملتهم بالسوء والخداع لما في ذلك من فساد يعود على الصورة الصحيحة للإسلام.. وما يترتب على ذلك من تنفيرهم وصدهم عن الدخول فيه.. وكما ذكرنا سابقا : سلوك رجل في ألف رجل أعظم أثرا من قول ألف رجل لرجل.

من محمد منهاج الإسلام

كاتب من باكستان