من فضل الله عليَّ أنني في عافية من سماع أخبار المشَخَّصاتية فضلا عن مشاهدتهم بالطبع.. والحقيقة أنَّ في مشاهدتهم نوعاً من أنواع العقوبات والبلايا التي قد يعاقب الله، عز وجل، بها بعض عباده.. ولعلكم تتذكرون قصة (جُرَيْج) العابد حين نادته أمه وكان يتعبد في صومعته ويصلى لله نفلا.. فجعلت أمه تناديه ثلاث مرات وهو يقول: أمي وصلاتي.. أمي وصلاتي! وكأنه يسأل نفسه أيهما أوْلى؟ إجابة نداء أمي أم العبادة وصلاة النفل! ولكونه (عابداً) وليس عالماً.. فقد اعتقد أن الصلاة أوْلى.. ولم يلتفت إلى نداء أمه! فغضبت أمه ورفعت يديها تدعو عليه قائلة: (اللهم لا تُمِتْه حتى ينظرَ في وجوه المومسات)..

 

ويكأنها تدركُ أن النظر في وجوه أهل الفسق والفجور فيه لونٌ من ألوان العقاب!!! وبالفعل.. كانت هناك امرأة من بغايا «بني إسرائيل».. وكانوا يضربون بها المثل في الحسن وجمال الصورة والهيئة.. فأرادوا منها أن تفتن جريج عن عبادته على طريقة (ودت العاهرة أن لو زنت جميع الحرائر) فلقد نقموا عليه زهده وصلاحه!..

 

وبالتالى فليحاولوا تلفيق (سي دي) له حتى تتساوى الرؤو!! فقامت تلك الفاجرة بتمكين أحد الرعاة من نفسها خلف صومعة جريج! حتى إذا حملت ووضعت حملها أدعت أن هذا الطفل لـ(جُرَيْج)! فانتهز (الفجرة) تلك الفِرْية وقاموا بهدم صومعته وأوسعوه ضرباً وهمُّوا بقتله.

 

فطلب منهم أن يُحضروا تلك الفاجرة وطفلها ليتحدث معها أمامهم.. وبالفعل فقد أحضروها وطفلَها.. فجعل (جُرَيْج) يدقق النظر في وجهها ويعصِر ذاكرته في محاولة للتعرف عليها وهل رآها من قبل؟!.. ولكن دون جدوى!!.. وتذكر دعوة أمه عليه بالنظر في وجوه الفاجرات! وأدرك أنها دعوةٌ قد استجابها الله عز وجل.. حاول المسكينُ تذكير تلك الفاجرة وتخويفها بالله فما ارتدعت وأصرَّت (كمواطنةٍ شريفة) على الاستمرار في أداء الدور الذي (طُلِبَ) منها! فطلب منهم جُرَيْج أن يتركوه حتى يصليَ قبل قتله.. فتركوه..

 

فدعا ربه بصدق أن يخلصه من هذا الكرب.. وبعد الفراغ من الصلاة دعا بالغلام.. ثم أمسكه وطعنه برفق في بطنه وقال له: يا غلام.. من أبوك؟ فنطق الغلام وقال: أبى فلان الراعي!.. وهذا الغلام هو أحد ثلاثة تكلموا في المهد!.. أصل القصة بتمامها قد أخرجها الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وفيها من العبر والدروس ما يعز على الحصر.. فيها فضل العالم على العابد.. وفيها تقديم طاعة الوالدين على كل أحد بما في ذلك نوافل الطاعات والقربات..

 

وفيها (وذلك ما يعنينا الآن) أن مشاهدة أهل الفساد والفجور والنظر إلى وجوههم من دلائل غضب الله على العبد! ورحم الله (حماتي) رحمة واسعة.. فقد كانت تبغضهم بغضا شديدا وتقول بعفوية فطرية: (دول اللى أهاليهم دعوا عليهم إن ربنا يفرَّج عليهم خلقه)..

 

الحقيقة أنني كنت أعتقد أنه لم يعد في القاع مكان وإنه قد امتلأ بالمنافقين والمطبلاتيه وبائعي أنفسهم في أسواق النخاسة وكل أصحاب النفوس «الواطية» ومن وقع من الطيور على أشكال العينات السابقة! ولكنى فوجئت من خلال القراءة لراصدي حركة شياطين الإنس في رمضان إنه مازال في القاع أماكن كثيرة لمن يريدون بيع أكثر البضائع رواجاً في سوق الإعلام في العصر الحالي.. بضاعة الحرب علي الإسلام وثوابته، وتشويه رموزه صداً للناس عن سبيل الله وتنفيراً وصرفا لهم عن دينه!.. والحقيقة أنهم بمحاولتهم تشويه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسلسلاتهم الرمضانية سوف يجعلون الناس تحاول القراءة له والتعرف عليه بإذن الله تعالى!..

 

فإن من سنن الله في خلقه أنه عز وجل إذا أراد نشر فضيلة طُوِيَت.. أتاح لها لسان حسود.. وأُبَشِّرُ أهلَ القاع بقول الله عزّ وجل من سورة الأنفال: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله.. فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون.. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون).

 

اللهم عاملهم بما هم له أهل.. ولا تعاملهم بما أنت له أهل.

من محمد منهاج الإسلام

كاتب من باكستان