«يؤدي خياناته بأمانة»: هذه العبارة هي عنوان الديوان الذي صدر مؤخرا للدكتور بشير رفعت.

وهذه العبارة هي أصدق وأنسب العبارات وصفا لأولئك الذين أعلنوا الحرب الشعواء على تيار الإسلام السياسي فى مصر والعالم العربي. 

 

وأنا أقول لهؤلاء: إن الإسلام السياسي ليس من اختراع حسن البنا، ولا من تأليف سيد قطب، ولا من بنات أفكار أبي الأعلى المودودي ولا غيرهم.. فقد درستُ الإسلام السياسي فى كتب التفسير والفقه والحديث والأصول والسير.. ودرستُه في مقررات دبلوم الشريعة الإسلامية بجامعة عين شمس.. ودبلوم القانون العام بجامعة الأسكندرية.. وفي مقررات معهد الدراسات الإسلامية.. لكن وجود المراجع العلمية ودراستها شىء وتطبيقها في الواقع شىء آخر! لماذا؟! لأن السياسة في الواقع هي فن تحقيق المصالح.. والإسلام السياسي يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.. فى حين أن سياسة الأحزاب الأخرى هي تقديم مصالحها الضيقة ومصالح مؤسسيها على المصلحة العامة.

 

وقد نجح تيار الإسلام السياسي في مجال تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة حينما بدأ أولا بإنشاء العديد من الجمعيات الأهلية الخيرية لتقديم كثير من الخدمات التى يحتاجها قطاع عريض من المواطنين بسعر التكلفة ودون تحقيق أي ربح.. فتحققت لهم بذلك شعبية كاسحة.. وحينما فطنت الأحزاب الأخرى إلى أنهم عاجزون عن مجاراتهم في ذلك -وكلها ذات أيديولوجيات مضادة لكل ما هو إسلامي- سعت في الكيد لتيار الإسلام السياسي بتشويه صورته وتحريض السلطات ضده.. خاصة وأنه كان دائما ينافس السلطة على قلوب الجماهير.. فتفشل السلطة ويكسب تيار الإسلام السياسي.

 

ولما فاز تيار الإسلام السياسي أخيرا بالسلطة عام ٢٠١٢ في انتخابات حرة نزيهة، تحت إشراف قضائي كامل، وفى ظل تأمين مُشَرِّف من القوات المسلحة.. ظن جميع خصومه أن وضع مصر قد تغـيّر، وأنهم لا مكان لهم بين شعب متدين بطبعه، وسلطة تتخذ من الإسلام منطلقا لها.. وهذا بالطبع سوف يغلق الباب في وجه أذناب التيارات المضادة لكل ما هو إسلامي.. سواء كان مصدرها من الداخل أو من الخارج.. لكن غاب عن تيار الإسلام السياسي أن الحاكم الحقيقي فى كل النظم المعاصرة هي أجهزة المخابرات فى كل دولة.. وأن هذه الأجهزة جزء لا يتجزأ من النظام العالمي.. وأنها أول من يقف فى وجه من يفكر في الخروج على هذا النظام العالمي الذى تدين له بالولاء ولا تستطيع ان تنعزل عنه.

 

ولما كانت إستراتيجية تيار الإسلام السياسي هي استقلال الأمة الإسلامية عقديا وفكريا وسياسيا.. فقد تعارض ذلك مع إستراتيجية النظام العالمي الذي يأبى أن تخرج عن طوعه أية دولة أو حكومة.. لذلك كان ولا بُد من القضاء على تيار الإسلام السياسي في مصر وتركيا، وفي أي بلد آخر يطل برأسه فيه.. وذلك عن طريق سيناريو  إفشال الحكومة بتعجيزها عن القيام بدورها تجاه شعبها وتأليبه عليها، وتثويره ضدها، ثم خلق فوضى عارمة في البلاد يتدخل خلاله جيشها فيتولى إدارة شؤون البلاد لإنقاذها مما حل بها.. وقد نجحت الخطة فى مصر.. وفشلت في تركيا.. لكنهم لا زالوا يعملون على قدم وساق من أجل إنجاحها في كل دولة يلوح فيها شبح تيار الإسلام السياسي.

 

ولما فطن النظام العالمي إلى أن الإسلام السياسي نابع من المصادر الإسلامية نفسها: القرآن والسنة ومن العلوم المنبثقة عنهما.. وليس منشأه جماعة من الجماعات.. ولا مفكرا من المفكرين.. ولا مرشدا من المرشدين.. وضع أذنابُ النظام العالمي أعينهم، ووجّهوا جهودهم صوب القضاء على المؤسسات الإسلامية التي تتولى تدريس هذه العلوم.. فكان الأزهر الشريف أول أغراضهم.. ومن بعده وزارة الأوقاف من خلال السيطرة على خطبائها بإلزامهم بخطبة موحدة.. ثم أخيرا دار الإفتاء.. وهلم جرا.

 

ومن الطريف أنهم يحاولون أن يحذوا حذو تيار الإسلام السياسي بشأن المشاريع الخيرية عبر الكثير من الصناديق التي أنشؤها لتمويل تلك المشاريع .. وتشجيع كل المناوئين لتيار الإسلام السياسي الموالين لغيره على تأسيس جمعيات خيرية؛ على أمل أن ينالوا ما نال هذا التيار من شعبية.

 

وهذا العداء كله نابع عن جهلٍ بالإسلام.. فلو كان لدى هؤلاء أثارة من علم لأصبحوا هم تيار الإسلام السياسي.. ولتعـرّضوا لما تعـرّض له إخوانهم من مِحَـن!! والكثيرون منهم الآن بدأوا يفطنون إلى ذلك، لكن تنقصهم الشجاعة الأدبية للإعلان عن ذلك. فلا قَـرَّت أعينُ الخونة ولا سَعِدت أنفُسُ الجهلاء.

 

من سعيد المرتضي سعدي

باحث الدكتوراه، جامعة شيتاغونغ الحكومية، شيتاغونغ، بنغلاديش مدير، مدرسة الحضارة الإسلامية.