زرتُ يوماً مُستشفى المَجانين …
وبعد أن ركنتُ السيارة تقدَّم إليَّ شابٌ جميل وقال : اعطني سيكارة . ثم رَدَدَ ( إثنانِ لايوجَدان صَديقٌ صَدوق وبَيض النوق ) وهَربَ مُسرعاً كالطيارة .
وحين مشيت قليلا رأيتُ صبياً يعزفُ على سعف نخيل يظُنهُ قيثارة . مُبتسمٌ سعيد يَرتدي نَظارَة . وقربه بنتٌ جميلةٌ تغسلُ الثياب تحتَ النخلة قالت : أنا أخافُ من الفارة . وبعيدا عنها مُسناً كبير قِيلَ كانَ وزير . يجلسُ وحيداً يحملُ سِنارَة …
والله لو رأيتُم ما رأيت لقلتُم : صدق من قال الدنيا دواره . ومُخادعة وغَدَّارة
لهذا لابد للإنسان أن يفكر في حياته ويتوب ويتخذ فوراً قراره …
ثُم دخلتُ غُرفة المُدير الذي كانَ يخلعُ إزارَه . اعتذرتُ وأغلقتُ البابَ بقوة فكسرتُ إطاره . وبعد أن أكملت عملي وخرجتُ إلى الدنيا رأيتُ شيخاً يبكي زوجته وصغاره …
انفجارٌ كبير أحرق السوق وَطفلا يَحملُ صَفارَة . أشعل الوقود في السيارات ومَحلات عِطارة . ومرَّ قربي رجلاً يصرخ ويُرددُ . والله سآخذُ ثاره . سآخذُ ثاره …
هل ضاع العُمرُ ومَضى قطارَه؟
أم انتهى بلدي وأُطفِأت أنوارَه؟ …
أيُها المُهجَّر والمُهاجرُ الذي تركَ دياره … حدثني عَن وطني وأخباره …
هَل مازالَ الظُلم يَسود ويحكُم القومُ شِرارَه ؟
هَل ضاعَ التاريخُ وذهبت دماء الشهداء خسارَة ؟
لم أرى بينَ المَجانين ظُلم وحقارَة . ولا سائق مُتهور يضربُ إشارة
إنهم لا يعرفون قومية ولا دين … كُلهُم مَجانين . لا يُجيدون الإثارة .
وسجنهُم كَبير عاليةٌ أسواره .
مَن العاقلُ وَمن المَجنون ؟
نَحنُ أم الذي لا يَعرفُ يَمينهُ من يَساره …