شبهة قولهم أن ابن تيمية يعتقد القِدم النوعي..

ما يُشاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه يقول بقِدم النوع، فهذه شبهة منذ أربعين سنة يوم كان عمري عشر سنوات، وسمعتها من حاقد على الشيخ، أو ممن لم يفهم كلام الشيخ..

 

أولاً: الشيخ ينفي أن يكون شيء مع الله قديمًا،فالله كان ولم يكن مع شيء،فيقول في منهاج السنة النبوية1/376 وَهَذَا بُرْهَانٌ مُسْتَقِلٌّ فِي أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، فَسُبْحَانَ مَنْ تَفَرَّدَ بِالْبَقَاءِ وَالْقِدَمِ، وَأَلْزَمَ مَا سِوَاهُ بِالْحُدُوثِ عَنِ الْعَدَمِ.

 

ويقول في المجموع5/565: وكان ما علم بالشرع مع صريح العقل أيضا راد لما يقوله الفلاسفة الدهرية من قدم شيء من العالم مع الله بل القول ” بقدم العالم ” قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه؛ فليس أهل الملة وحدهم تبطله بل أهل الملل كلهم وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين: مشركي العرب ومشركي الهند وغيرهم من الأمم. وجماهير أساطين الفلاسفة كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن بل وعامتهم معترفون بأن الله خالق كل شيء والعرب المشركون كلهم كانوا يعترفون بأن الله خالق كل شيء وأن هذا العالم كله مخلوق والله خالقه وربه…

 

وقال في درء تعارض العقل والنقل1/125 المعاني المختلفة لحدوث العالم عند النظار

 

ومما يشبه هذا إذا قيل: العالم حادث أم ليس بحادث؟ والمراد بالعالم في الاصطلاح هو كل ما سوى الله، فإن هذه العبارة لها معني في الظاهر المعروف عند عامة الناس أهل الملل وغيرهم، ولها معني في عرف المتكلمين، وقد أحدث الملاحدة لها معني ثالثاً.

 

المعني الأول

 

فالذي يفهمه الناس من هذا الكلام أن كل ما سوى الله مخلوق، حادث، كائن بعد أن لم يكن، وأن الله وحده هو القديم الأزلي، ليس معه شيء قديم تقدمه، بل كل ما سواه كائن بعد أن لم يكن، فهو المختص بالقدم، كما اختص بالخلق والإبداع والإلهية والربوبية، وكل ما سواه محدث مخلوق مربوب عبد له.

 

وهذا المعني هو المعروف عن الأنبياء وأتباع من المسلمين واليهود والنصارى، وهو مذهب أكثر الناس غير أهل الملل من الفلاسفة وغيرهم.

 

قال الظاهري :فالفهم المراد من هذه النقولات أن شيخ الإسلام لا يقول بقدم العالم،بل ما دون الله حادث..

إذا فكيف فهم القوم قول ابن تيمية بقدم النوع ؟

 

أقول :قدم العالم يصح على الراجح من حيث الأنواع لا من حيث الأعيان،ويفسر هذه القاعدة شيخ الإسلام في الصفدية2/47 فيقول :ولفظ القديم والأزلي فيه إجمال فقد يراد بالقديم الشيء المعين الذي ما زال موجودا ليس لوجوده أول ويراد بالقديم الشيء الذي يكون شيئا بعد شيء فنوعه المتوالي قديم وليس شيء منه بعينه قديما ولا مجموعه قديم ولكن هو في نفسه قديم بهذا الاعتبار فالتأثير الدائم الذي يكون شيئا بعد شيء وهو من لوازم ذاته هو قديم النوع وليس شيء من أعيانه قديما فليس شيء من أعيان الآثار قديما لا الفلك ولا غيره ولا ما يسمى عقولا ولا نفوسا ولا غير…

 

ما معنى هذا الكلام ؟إن الله جلّ وعز متصف بالخلق فهو خالق كل شيء فهو لا زال متصفًا بالخلق وديمومة صفته هذه لا تعني قدم شيء من خلقه معه،فهو مازال خالقا متكلما وهما صفتان ذاتيان له وهما من لوازم وجوده،وما حدث من مخلوقاته بعد إذ كان معدوما لا يقتضي أن يكون قديما معه،فلا بد هنا من التفريق بين إثبات حوادث لا أول لنوعها،وحوادث لا أول لأعيانها يقول شيخ الاسلام موضحًا هذه القاعدة:لِأَنَّ مَعْنَى الْخَلْقِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا ؟ ” فَيُقَالُ : بَلْ كُلُّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ مَسْبُوقٌ بِعَدَمِ نَفْسِهِ وَمَا ثَمَّ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ. وَإِذَا قِيلَ : ” لَمْ يَزَلْ خَالِقًا ” فَإِنَّمَا يَقْتَضِي قِدَمَ نَوْعِ الْخَلْقِ و ” دَوَامُ خالقيته ” لَا يَقْتَضِي قِدَمَ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ. فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَعْيَانِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّ مِنْهَا شَيْئًا أَزَلِيًّا. وَمَنْ قَالَ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنْ الْعَالَمِ – كَالْفُلْكِ أَوْ مَادَّتِهِ – فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ مَخْلُوقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ؛ وَلَكِنْ إذْ أَوْجَدَهُ الْقَدِيمُ. وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فَعَّالًا خَالِقًا وَدَوَامُ خالقيته مِنْ لَوَازِمَ وُجُودِهِ. فَهَذَا لَيْسَ قَوْلًا بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ بَلْ هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِحُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَاهُ. وَهَذَا مُقْتَضَى سُؤَالِ السَّائِلِ لَهُ….

 

قال الظاهري :والخلاصة بأن القول بقدم النوع لا ينفيه شرع ولا عقل،لأن الله لا زال متكلما خالقا وإن لم يكن معه الخلق ولا كلمهم ولكنهما صفتان قديمتان من لوازم وجوده جلّ وعز…

من سعيد المرتضي سعدي

باحث الدكتوراه، جامعة شيتاغونغ الحكومية، شيتاغونغ، بنغلاديش مدير، مدرسة الحضارة الإسلامية.