النخبة الإسلامية السياسية والمشروع الغربي(1)

مقدمات:

– مع مطلع العقد الأخير من القرن الماضي تظهر ثقافة إسلامية جديدة، ممزوجة بين المنهج السلفي السعودي مع فكر إخواني -سيد قطب تحديدا-، وكانت أرض الأفغان هي منبت هذا الفكر، وأَثَرى هذا الفكر أكثر مع شخصيات مثل: أبو محمد المقدسي وسفر الحوالي وناصر العمر وعبد الله السعد وسليمان العلوان (وإن كانوا دائما يحاولون أن يظهروا أنها مدرسة مستقلة خاصة بهم).

 

– كانت مجموعة شخصيات تخدم هذا الوافد الجديد، كل شخصية تخدم هذا المنهج من زاوية خاصة، وبدأ يغزو العالم الإسلامي بطريقة غريبة، وأَتبعه عدة مخرجات منها احتقار التصوف، وتضليل الأشاعرة بطريقة غريبة، حيث كان هذا الفكر غريبا كثيرا عن الإخوان المسلمين الذين تُعتبر خلفيتهم أشعرية صوفية.

 

– بمعنى أن مدرسة الإخوان بدأت تطرأ عليها تغييرات جذرية، ما يعني أن على قيادة الجماعة أن تدرك الموقف قبل أن يسحب البساط من تحت قدميها، خاصة وأن كل قادة الجماعة ليسوا أبناء أيٍّ من المدارس الشرعية، لأن جلهم من كليات علمية وهو ما يشهد عليه الواقع.

 

– أما أن يتبنى فكر سيد شخصيات إسلامية فأمر طبيعي جدا، ولسان الميزان لا محالة سيكون لصالحهم، خاصة إذا كانت هذه الشخصيات تتبنى الفكر السلفي المنبثق من السعودية التي كانت تدعم جهاد الأفغان، ما يعني أن تغييرا حقيقيا قد حصل.

 

– وبما أن هذا المنهج السلفي عقيدة وبفكر جماعة الإخوان الأكثر تأطيرا وهيكلة فلا محالة الأمر ليس بالطريقة السهلة في أعين كل نظام يقترب منه هذا الفكر.

 

– وكان من أول مخرجاته الاستهزاء بالتصوف وكل من يتبنى هذه المدرسة -الصوفية- وأولهم الأزهر (أكبر مرجعية إسلامية رسمية) الذي يتبنى المذهب الأشعري الصوفي، ما يعني أن الأشعرية التي تعتبرها السلفية السعودية ضالة لا محالة سيتأكد هذا أكثر لما هذه المدرسة الجديدة تتبنى منهج الجماعة الفكري والعقيدة السلفية السعودية.

 

– وتنتشر هذه المدرسة في العالم الإسلامي بطريقة غريبة، ويُدَلِّلُ على ذلك رسائل الود والحب مابين قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر أقصى المغرب الإسلامي التي لم يتجاوز عمرها عمر طفل لمَّا يفطم بعدُ، مع الدكتور الظواهري (ثاني رجل في التنظيم بعد استشهاد عبد الله عزام، والأول بعد استشهاد بن لادن) أقصى الشرق.

 

كيف تعاملت المدرسة الجديدة في الجزائر؟

 

– لم تكن أرض الجزائر مناسبة تماما لانتشار هذا الفكر (لأسباب نذكرها لاحقا)؛ لأنه حتى تنبت في الجزائر لا بد لهذه المدرسة أن تخرج بمخرجات جديدة، لأن جماعة الإخوان في الجزائر غير التي انبثقت منها تلك التيارات، لأن جماعة إخوان الجزائر اختارت أن تكون جزءا من النظام الذي انقلب على الحزب الإسلامي 1992م، أي المدرسة التي تنتمون إليها خالفت طرحهم في الجزائر، ويبدأ هذا التيار السلفي الإخواني يعادي إخوان الجزائر، بل أكثر من ذلك حيث أعدم كثيرا من الرموز الإسلامية لأنها كانت تحمل فكر الإخوان المسلمين، ما يعني (في طرحهم) أن مدرسة الإخوان بالفكر القديم أصبحت جزءا من العالم الغربي الذي يدمر البلاد الإسلامية، وهذا ما جعل أمر الجزائر أشد تعقيدا.

 

ظهور السلفية الجامية المدخلية:

 

– وقبل أن تنتهي العشرية الأخير من القرن العشرين، ظهرت سلفية جديدة تعادي المدرسة الأشعرية على عادة السلفية السعودية، وتعادي كل ماهو إخواني مهما كانت مرجعيته سلفية أو صوفية.

 

– سلفية لأنه يحمل فكرا جهاديا انبثق بعد حرب الأفغان، وهذه السلفية خرجت تحديدا لمهمة واحدة وهي محاربة الفكر الجهادي.

 

– وصوفيا على عادة السلفية السعودية التي تطير بجاحين:

 

الأول؛ محاربة الصوفية.

 

الثاني؛ محاربة الحركات السياسية الإسلامية مهما كانت مرجعيتها.

 

– لكن الغريب في هذه السلفية الجديدة أنه لم يسلم منها أي شخص في الجزائر لا جمعية العلماء المسلمين أو غيرها، حتى مالك بن نبي اعتبر أو عومل معاملة جماعة الإخوان (ما يعني أنها سلفية تمشي بمنظور شكلي -قالب هندسي-، كل من لم تتوفر فيه شروطهم يوضع في خانة التضليل أولا ثم يبحثون عن أسباب أو صفات يلصقونها به)؛ واعتبرته هذه السلفية ضالا على شاكلة سيد قطب، كما اعتبرته الجماعات المسلحة في الجزائر من قبل جزءا من الأنظمة الحاكمة.

 

العقد الأول من الألفية الثالثة:

 

– مع مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، يتصدر العالم أحداث 11سبتمبر وسقوط البرجين، ويتبعه دخول الغرب والأنظمة العربية في حرب ضد السلفية الجهادية التي تحمل فكر وتنظير سيد قطب، حيث استطاعت السلفية الجديدة (الجامية المدخلية) أن تجعل لهم صفات ومسميات خاصة، وكل من يخالفها يخضع تحت سلطان ألسنتها العفنة، ثم تحت رحمة سيف السلطة.

 

– هذا الإرهاب الفكري الذي حصل من السلفية التي خرجت من السعودية أن كل من يخالف فكرها (الذي لا يخدم إلا أمريكا) يصبح إرهابيا، هو ما جعل كل التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية تقدم تنازلا ت كثيرة حتى لا توصف بالإرهاب، وتجد نفسها إما في غوانتنامو كوبا أو غوانتنامو عربي.

 

موقف جماعة الإخوان بعد هجمات 11 سبتمبر:

 

– لكن وبالرغم من كل ذلك وبعد ذلك العنف الفكري من السلفية السعودية بقيادة الجامي والمدخلي وأتباعهم  بقيت جماعة إخوان مصر ملازمة نوعا ما لخط سيرها رغم التحرش الكبير من شيوخ السلفية داخليا وخارجيا ضدها، وكان لها تمثيل جيد في البرلمان في مصر، والأمر نفسه مع إخوان الأردن واليمن والجزائر، ووجود قوي في المجتمع المصري والأردني.

 

– تأتي سنة 2011 ويسقط نظام مبارك وتظهر جماعة الإخوان المسلمين بأنها القوة الإسلامية الحقيقة سواء السياسية أو الخدمة المجتمعية، وتظهر حقيقة السلفية أنها مجرد ظواهر صوتية وأبواق لخدمة السلطان، ليس في مصر فقط بل في كل الوطن العربي.

يتبع.

من محمد عبد العاطي

باحث في مقارنة الأديان