التجنيد في ألمانيا – أرشيفية

كتب- أبوبكر أبوالمجد

البداية كان بحديث ايفا هوغل، المفوضة الجديدة للجيش حين قالت: “أرى أن تعليق التجنيد الإجباري كان خطأ فادحًا”، عندها عارضت وزيرة الدفاع الألمانية كرامب-كارنباور إعادة تطبيق التجنيد الإجباري بشكله القديم.

وكثيرًا ما تشهد ألمانيا د نقاشًا حول التجنيد الإجباري منذ تعليقه في عام 2011.

فلماذا هذا الجدل حول التجنيد الإجباري في هذا الوقت بالذات؟
بحسب تقرير لمجلة “دير شبيغل” الألمانية، نشر في 15 يونيو الماضي، ذكر ضابط في القوات الخاصة للوزيرة في خطاب أن هناك تسامحًا في توجهات يمينية متطرفة داخل صفوف القوات، كما يتم التستر عليها أحيانًا عن عمد.

وفي السنوات الأخيرة تصدرت حوادث يمينية متطرفة في صفوف القوات الخاصة عناوين الصحف الألمانية، لعل أولها ما حصل في حفلة وداع أحد قادة تلك القوات في أبريل 2017، عندما ألقى جنود من الفوج الثاني تحية هتلر، وفي وقت لاحق عثرت شرطة ولاية ساكسونيا على مخبأ للأسلحة والذخيرة لدى أحد أولئك الجنود الذين كانوا في نفس الحفلة.

وفي سياق متصل، قالت كرامب-كارنباور في تصريحات للموقع الإلكتروني لمجلة “فوكوس” الألمانية، إنها سعيدة بأن هناك “أفرادا شجعانا يرفعون أصواتهم”، وأضافت: “الإشارة الواضحة هي: من يحدد سوء الأوضاع يساعد في القضاء عليها، بينما من يصمت يصبح جزءًا من المشكلة ويكون مشاركًا في الذنب”.

وكانت الوزيرة أعلنت مساء 12 يونيو الماضي، أنها ناقشت فحوى الخطاب خلال انعقاد أول جلسة للجنة العمل المعنية بالقوات الخاصة التي كلفت بتشكيلها.

وقالت الوزيرة في تصريحات لـ”فوكوس” إن مرسل الخطاب تم إخضاعه مباشرة لرئيس أركان القوات الخاصة، “حتى يتمكن من المشاركة في إصلاح التدريب والقضاء على سوء الأوضاع الذي تحدث عنه”، مضيفة أنه من المقرر عرض نتائج تقرير مجموعة العمل قبل العطلة الصيفية.

وأكدت الوزيرة أن “الغالبية العظمى من الرجال والنساء في الجيش الألماني” مخلصون “لديمقراطيتنا”، مضيفة أنهم على استعداد أيضًا للدفاع عن النظام الحر بحياتهم، وقالت: “اليمينيون المتطرفون – وبالطبع كافة المتطرفين الآخرين – يخونون هذا النظام الأساسي وهذه القيم، ويخونون الزمالة التي تمثل مغزى الجندية في نظام ديمقراطي”، مؤكدة أن هؤلاء ليس لهم مكان في الجيش الألماني، وقالت: “سنبعدهم على نحو حاسم”.

وفي 30 يونيو، أكدت الوزيرة في تصريحات لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية على ضرورة إصلاح القوات الخاصة بشكل جذري، وأضافت أن هذه القوات “استقلت بنفسها جزئيًا، وبسبب وجود ثقافة قيادة سامة، فإن هذا يعني أن القوات الخاصة لا يمكن أن تبقى بشكلها الحالي”.

وكشفت كرامب-كارينباور للصحيفة أنه سيتم حل الفوج الثاني من القوات الخاصة، والذي يُعتبر –بحسب الصحيفة- نقطة انطلاق أنشطة اليمين المتطرف في تلك القوات، وبذلك ستصبح القوات الخاصة في الجيش الألماني مكونة من ثلاثة أفواج.

وفي تقرير أرسلته وزارة الدفاع الألمانية، للبوندستاغ، في 30 يونيو، واطلعت عليه كل من وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) ووكالة فرانس برس، جاء: “في بعض أقسام القوات الخاصة انتشر نمط قيادة سام واتجاهات متطرفة واستخدام متساهل للمواد والذخيرة”.

وماعدا حل الفوج الثاني من القوات الخاصة، قالت وزارة الدفاع إن القوات الخاصة في الجيش لن تشارك في التدريبات والمهمات الدولية حتى تنتهي إعادة هيكلتها، وأضافت أنه سيتم إنشاء هيئة تشرف على عملية الإصلاح.

التجنيد الإجباري

وبعد ظهور هذه الحالات بصورة ملفتة تمثل خطرًا بحسب الوزيرة على ديمقراطية الدولة الألمانية، أرجع البعض ذلك لتعليق التجنيد الإجباري، بحسب ايفا هوغل، المفوضة الجديدة للجيش.

حيث أثارت، هوغل، نقاشًا في وقت سابق عن إعادة تطبيق التجنيد الإجباري، وقالت تعليقًا على رصد العديد من الوقائع اليمينية المتطرفة داخل الجيش الألماني: “أرى أن تعليق التجنيد الإجباري كان خطأ فادحاً، وعلينا أن نحلل هذا القرار بصورة نقدية للغاية”.

ووصفت كرامب-كارنباور النقاش الذي أثارته هوغل بأنه مثير للاهتمام مشيرة إلى أن حزبها يناقش هذا الأمر منذ فترة طويلة تحت شعار “عام ألمانيا”، معربة عن معارضتها لإعادة تطبيق التجنيد الإجباري بشكله القديم.

وقالت زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، المنتمية له المستشارة أنغيلا ميركل، اليوم السبت (الرابع من تموز/يوليو 2020): “الأمر لا يتعلق ببساطة بإعادة إحياء التجنيد الإجباري بشكله القديم، كما أنه لا يتعلق أيضاً بالنظر إلى هذا الأمر على نحو خاص بوصفه مكافحة لليمين، بل إن الأمر يتعلق بما يجعلنا متماسكين في المجتمع، وكيف يمكن أن ندعم الراغبين في أن يفعلوا شيئاً بحق لهذا المجتمع”.

ووصفت كرامب-كارنباور الخدمة التطوعية الجديدة في الجيش التي تحدثت عنها في وقت سابق، بأنها ليست بديلاً للتجنيد الاختياري بل هي عرض تكميلي بديل، وقالت إن وزارة الدفاع كانت مشغولة منذ فترة طويلة بنوعية العرض الذي يمكن أن تقدمه لهؤلاء المهتمين بخدمة التجنيد الاختياري لكنهم يستكثرونها.

وكانت الوزيرة قالت خلال ندوة افتراضية للحزب المسيحي إنه اعتبارًا من عام 2021 سيتم تطبيق خدمة جديدة تحت عنوان “عامك من أجل ألمانيا”.

وأوضحت كرامب-كارنباور أن الشباب الذين سيقررون الانضمام إلى الخدمة، سيتلقون تدريبًا عسكريًا لمدة ستة أشهر في مسقط رأسهم، وفي أعقاب ذلك سينضمون إلى خدمات احتياطية في أماكن قريبة من موطنهم لمدة ستة أشهر. ومن المنتظر أن ينضم أول المتطوعين في عام 2021.

ومن جانبه، رفض زعيم الكتلة البرلمانية لحزب اليسار إعادة تطبيق التجنيد الإجباري كرد فعل على اليمين المتطرف، وأعرب زعيم الكتلة البرلمانية لحزب اليسار الألماني ديتمار بارتش، أمس السبت، عن رفضه لإعادة تطبيق التجنيد الإجباري كرد فعل على رصد سلسلة من وقائع لليمين المتطرف داخل الجيش.

وقال بارتش في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية “الفكر اليميني المتطرف وخيالات العنف لليمين الإرهابي في الجيش الألماني لا يرتبطان بعلاقة سببية مع وقف التجنيد الإجباري بل مع ثقافة في الجيش، الذي سمح وتسامح مع هذه الثقافة على مدار عقود”.

ورأى بارتش أن إثارة النقاش حول إعادة التجنيد الإجباري لن تحل المشاكل الظاهرة في القوات المسلحة.

وأضاف “بدلا من أن نسلب من الشباب عن طريق التجنيد الإجباري وقتًا من حقهم أن يحددوه هم، نحتاج إلى عدم التسامح على كل المستويات في الجيش مع الفاشيين الذين نسوا التاريخ ويعتقدون أن بإمكانهم أن يعبروا عن فكرهم المريض وهم بالزي العسكري”.