ثبت بالسند الصحيح عند الإمام البخاري والإمام مسلم والإمام أحمد والإمام الحاكم والإمام أبى داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تنبَّأ بـ(فتح) القسطنطينية.. واللَّفظُ الذي استخدمه صلى الله عليه وسلم فى جميع أحاديثه الصحيحة الخاصة بالقسطنطينية هو لفظ (الغزو.. والفَتْح).. وإليكم بعض نصوص تلك الأحاديث:

 

1- أخرج الإمام البخاري فى صحيحه من حديث أم حَرام بنت مِلْحان _زوجة عبادة بن الصامت_ أنها قالت في حضرة زوجها رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر_يعنى القسطنطينية_ مغفور لهم) وهذا الحديث من دلائل النبوة حيث فيه الإشارة إلى تكرار محاولات الفتح وذلك واضح من قوله صلى الله عليه وسلم: أوَّل جيشٍ.. أي أن هناك ثانٍ وربما أكثر.. وهو ما حدث بالفعل!!!

 

2- روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟! قالوا نعم يا رسول الله.. قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم وقالوا لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها -قال الراوي-: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر.. ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر.. ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوا فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون)

 

3- أخرج الإمام أبو داود في سننه -وحسنه الألباني رحمه الله- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح القسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال)

 

4- روى الحاكم في المستدرك وغيره عن عبد الله بن عمرو قال : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سأله رجلٌ: أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل مدينة هرقل أولا ـ يعنى القسطنطينية.. صححه الذهبي في التلخيص والألباني في السلسلة الصحيحة.

 

وهكذا نرى استخدام النبي صلى الله عليه وسلم لألفاظ (الغزو.. والفتح) دون غيرها.

 

للإيضاح وتتِمَّةً للفائدة:

أولًا.. فالحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده والإمام الحاكم في مستدركه وغيرهما عن عبد الله بن بشر الغنوي عن أبيه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتفتحن القسطنطينية فلَنِعْمَ الأمير أميرها ولَنِعْمَ الجيش ذلك الجيش).. هذا الحديث الشهير ضعيف الإسناد للأسف الشديد.. غير أنه صحيح المعنى بالطبع.. وبشارات فتح القسطنطينية ثابتة قطعًا.. ومناقب السلطان العظيم محمد الفاتح لا تكاد تقتصر على فتح القسطنطينية..

 

وثانيًا.. فالأحاديث تحمل بشارتين.. الأولى أن القسطنطينية ستُفتح حربًا (وهذا ما تم على يد السلطان العظيم محمد الفاتح).. والثانية أنها تخرج عن سيطرة المسلمين ثم يفتحونها مرةً أخري بالتكبير والتهليل دون قتالٍ وذلك قبيل خروج الدجال… قلتُ: وقد أخرجها عن يد المسلمين ذلك اللعين المنافق -كمال أتاتورك- (هو نفسه قد قام بشطب اسم مصطفى من اسمه الثلاثي!).. ومازالت حتى الآن بقبضة العلمانيين.. وسوف تعود إلى حظيرة الإسلام بإذن الله تعالى.

 

وثالثًا.. وهى مسألة تحتاج إلى شدة بيان وإيضاح: الحكم يكون على عموم الأفراد لا على خصوصهم.. بمعنى أن جيشًا فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام لهو خير جيش على وجه الأرض قطعا رغم وجود (قُزمان حليف بني ظفر) الذي شهد النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار رغم بلائه وشدة قتاله.. وقد صدق حدسه صلى الله عليه وسلم وقتل قُزمانُ نفسَه ومات منتحرا!… وفى جيش النبي صلى الله عليه وسلم كان يوجد (كِرْكِرة) الذي قام بغلول (نَمرةٍ) من الغنائم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها تشتعل عليه نارا في قبره.. فالتمسها الصحابة فوجدوها في متاعه!

 

وكذلك كان هناك في جيشه صلى الله عليه وسلم بعض المنافقين الذين كانوا يقاتلون رياء وسمعة أو رغبة في الغنيمة ولا شيء سواها.. ومع وجود كل هؤلاء فلم يمنع أن يكون جيشه وأصحابه هم خيرة الجيوش إذ العبرة بالكثرة الغالبة والحكم يكون على الأعمِّ الأغلب.. ومحمد الفاتح رحمه الله كان على المذهب الحنفي..

 

وكان (في الجملة) من الأشاعرة.. وحكْمنا (كأهل سنةٍ أتباع عقيدة السلف) هو أننا لا نعتبر العوام الذين لا يعرفون دقائق المسائل من المبتدعين.. بل نحكم عليهم إجمالا بكونهم يرومون تنزيه الله عز وجل ولا يفهمون معاني التحيز والكلام النفسي وعدم قيام الأفعال الاختيارية وما إلى ذلك من معانٍ دقيقة.. بخلاف حكمنا على علمائهم وخواصِّهم.. وعلى كل حال فإن الإمام أبا الحسن الأشعري قد رجع إلى مذهب السلف وعقيدة الإمام أحمد بن حنبل وأثبت ذلك في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة)..

 

وأشاعرة اليوم يحاولون تكذيب نسبة الكتاب إليه رغم إثبات الإمام الذهبي والبيهقي وابن عساكر وابن فرحون المالكي، وغيرهم، لنسبة الكتاب إليه.. فغاية ما في أمر محمد الفاتح رحمه الله أنهم قد نسبوه للأشاعرة واستدلوا بذلك على صحة المذهب الأشعري استنادا إلى امتداح النبي صلى الله عليه وسلم له.. وفاتهم أولا أن الحديث لم يصح.. وثانيا أن توجيه الثناء (لو سلمنا بصحة الحديث) إنما يتجه إلى (الفتح ذاته) لا إلى عقيدة الفاتحين.. فضلا عن كونه رحمه الله لم يكن عالما من علماء الأمة..

 

والكلام نفسه فقلهُ عن صلاح الدين الأيوبي.. فقد كان شافعي المذهب.. وكان من العوام المنتسبين إلى الأشاعرة حيث كان علماء الأشاعرة ينشرون أن مذهبهم هو مذهب السلف! والعوام مجرد أتباع لا يعرفون تفاصيل المسائل.. فلا لوم عليهم ولا مؤاخذة فهم معذورون في ذلك (بما فيهم محمد الفاتح) رحمهم الله جميعا.

من محمد منهاج الإسلام

كاتب من باكستان