كنت أتعجب قديماً من موضوعات سياقات سورة النساء ، لكنني أدركت متأخراً بعد الربط بين مقدمة السورة وحديث الرحم بعدما خلقه الله فصرخ فسأله ربه العظيم عن سر صريخه فشكا مبكراً جداً قطيعته فهدّأه الله بتقريره (أما يكفيك أني شققت لك اسما من إسمي وأني أصل من وصلك وأقطع من قطعك)، فأيقنت بهذا الحديث القدسي المجيد أن الرحم هو سر مجد المرأة المكين، ولذالك نصّب الله الرجل حارساً لعرش المرأة مدافعا عنه وساعياً دءوبا لجلب رزقها ومقتضيات استقرار هذا العرش، وتشهد بذالك سياقات سورة النساء التي تفصل الذكر عن كيفية مجاهدة الشيطان وأحزابه من الكفار والمنافقين والمنحرفين من أهل الكتاب مما يستغرق أكثر من سبعين بالمائة من السورة والبقية في تنظيم العلاقة البينية بين الرجل والمرأة لتقدم لنا المرأة عبر هذا الرحم المجيد ذريات مجيدة مُرباة تقوم بواجبات الاستخلاف الفطري مثلما قدّر لها خالقها.

 

وإذا أردت إدراك سر صنعة الرحم وتوابعه فاقرأ مُتدبراً وحُل ألغاز حديث نبيك (لا تطلبوا الإمارة فإنها يوم القيامة خزي وندامة ، فنعمت المُرضعة وبئست الفاطمة).. فستجد نفسك أمام صنعة متناهية الروعة والجلال فثدي المرأة الكريم بعد رحمها يقدم للإنسانية الحر العادل السخي الكريم الذي إن تولى أمر رعية أسعدها وحبب العيش إليها ، كما يقدم أيضا هذا الثدي البخيل الطاغية الغشوم والظالم الخائن والقاتل اللص، فكل النماذج الإنسانية الغالية مبتداها الرحم ثم الثدي ثم العين المصاحبة للإرضاع والتي ترسل إشعاعات الحنان والرحمة على وليدها بينما يدر الثدي الحليب النقي الصاف المحشود بعصارة جسدها.

 

ولذالك أخبر الله الرجل في أول سورة النساء وفي آية الزواج من سورة الروم أن المرأة (منه وله) فهي منه كمثل عينيه وكبده وقلبه وجوارحه لا تقل أبدا بل تزيد حين تتكامل معه بامتزاج مشحون بالمودة والرحمة لنقل ما في صلبه من ذرية حل عليها دور الاستخلاف إلى رحمها لتتم الصنعة العجيبة بعد ذالك.. وسؤال يشي بأهمية المرأة: ترى لو مات رجل بعدما أفضى إلى زوجه، هل سيعيش المستخلف الجديد ويستمر وتكتمل حلقات استخلافه أم لا، فهذا يشي بعظيم دور المرأة في منظومة الاستخلاف، فالرجل له بدائل في بقية أدواره بينما المرأة فبدائلاها عسيرة جدا إن وجدت.

 

القوامة إذن تجعل المرأة منقادة لحارس عرشها وربان مركبها وقائد سيارة حياتها وهي مدركة لقيمة دوره وعظم حاجتها إليه بعد إحاطة هذا الدور منه والانقياد منها بحزام الحماية البينية المكون من المودة والرحمة بنص آية الزواج من سورة الروم (وجعل بينكم مودة ورحمة)، فإن تناقص هذا الحزام أو ضعف أو انعدم فإن القوامة تتحول من درع حماية إلى سيف يذبح العلاقة الزوجية ويهدد بقاءها.

 

ولذالك فثمة آية في سورة النساء قبل آية القوامة بآية واحدة تمهد لحتمية القوامة (ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن…)، وفي آية القوامة ستجد أن التفضيل واضح بهذه القوامة متسقا معها (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض…)، ولقد وجدنا امرأة عمران التي حمل رحمها سيدة نساء العالمين مريم أم المسيح كلمة الله وروح منه وهي تقرر بمنتهى الفطرية (وليس الذكر كالأنثى).. والمرأة التي تجتهد في اقتناص القوامة كغراب يريد ان يصدح مغردا فيكون نشازا غبيا كريها ، وتفقد الأمة بحالتها هذه رجلا حرا مقاوما مدافعا ولذالك فأنا أكاد أصرخ كما صرخت من قبل أنه من المستحيل أن تجد أسرة سيساوية إلا والمرأة فيها مقتنصة لقوامة الرجل فتذره خنزيرا في صورة رجل ولا رجل، وعلى العكس من ذالك فستجد كل بيوت الأحرار المعارضين المقاومين تحتشد بالرجال صادقي الرجولة والنساء الحرائر التي تسلم قيادها لرجلها فلا تغنم منه إلا الحب الذي يتزايد كل يوم وساعة، وتغنم أمتها حرا شريفا لايأبه لسجن أو مشنقة، ولذالك فإن خواتيم هذه العلاقات في الدنيا تشهد بأحزان قلب النساء حين فقد الرجال، والتياع قلوب الرجال بفقد المحبوبات الأثيرات، بينما تشهد بيوت السيساوية مظاهرات صريخ وضجيج ليس إلا.

 

ربما أكتب هذا المقال ردا على من ظنني مستهينا بالقوامة، ولو قرأ مقالات لي قديمة لأيقن أنني من أشد المتنادين باستعادة عافية القوامة.. لكن مع اتزانها طبعا (والسماء رفعها ووضع الميزان).