نار الظلم والمستضعفون في الأرض.. من البوعزيزي إلى جورج..

ليس فوق الكرامة الإنسانية أي اعتبار لأي شيء، فالله كرم الإنسان (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). وعندما تُنتزع هذه الكرامة وتُهان يقل قدْر الإنسان وتختل الطبيعة البشرية التي جُبلت على الحرية والاستقلال.

 

إن ما يجري في أمريكا الآن من أحداث وانتفاضة شعبية عارمة إنما هي رد الاعتبار والكرامة الإنسانية التي داسها ذلك الشرطي بركبته وخنقها حتى لفظت أنفاسها تحت ثقل الاستعباد، إن موت “جورج فلويد” بهذه الطريق الخالية من أي حس إنساني واشتعال أمريكا بسبب هذا الحادث يعطي تفسيرا واحدا هو أن الإنسان قادر أن يضحي برغد عيشه واستقراره من أجل حريته وكرامته.

 

فعلها قبله “محمد البوعزيزي” فأشعل تونس حتى أحرقت نارها قصور زين العابدين، وتلاه “خالد سعيد” فأطلق موتُه شرارة الثورة في مصر لم تنطفئ حتى أسقطت حسني مبارك، ثم أتى بعدهما الطفل حمزة الخطيب ليأذن بثورة سوريا التي لا زالت مشتعلة للآن بعد سنوات من موته – رحمه الله- إلى محسن فكري الذي خلَّف “طحنُه” حراك الريف في المغرب..

 

هؤلاء الأشخاص لم تجف دماؤهم ولم تسقط جثتهم على الأرض حتى سرت روحهم كنسيم هوى استنشقه الناس حريةً رفعوا أعلامها وجابوا بها الساحات مطالبين إما برحيل الظلمة أو بمحاكمتهم ميدانيا على جرائم السنين.

 

هذه الأحداث التي نتجت عن قتل هؤلاء الأشخاص شيء طبيعي، فالكرامة هي العملة المتعارف عليها بين البشر، فإن فُقِدَت هَوَت قيمة الإنسان واختل ميزان الأرض.

 

لقد حدث مع “عبد الرحمن الحويطي” في بلاد الحرمين الشيء نفسه الذي حدث مع هؤلاء ولم يتحرك الشعب أو النخب هناك مع وضوح الظلم وبيانه، لقد رأينا كيف يتم تزوير الإسلام وخداع الناس بالمظاهر وتعبيد الشعب للحكام تحت شعار “لا يجوز الخروج على ولي الأمر” وإن زنى ولاط مرتين يوميا!!

 

لقد رأينا الإسلام العظيم ــ الذي دعا للحرية من أول يوم وكسر أغلال العبودية للبشر ماديا ومعنويا، الإسلام المحارب للطغيان والكِبْرــ  كيف يتم صناعته خلال هذا القرن ليواكب نزوات الاحتلال وأتباعهم من الحكام في بلادنا! لا يمكن للإسلام إلا أن يكون مقاوما منيعا يرهبُه الظلمة ويأوي إليه من يسعى للحرية والكرامة، فلقد ابتعث الله هذه الأمة لتخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد”

من سري القدوة

رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية