(حديثٌ ذو شجون دفعني إليه موقف)!!

الأمة || لا يُنْكِرُ تأثير البيئة والوَسَطِ المحيط على الإنسان إلا جاهلُ أو مكابر، وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، الشهير الذي أخرجاه في الصحيحين عن أبى موسي الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما مثلُ الجليس الصالح وجليسِ السوءِ، كحامل المسك ونافخ الكير، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً ، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً)..

 

وفى قولِه عليه السلامُ أيضًا فيما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمدُ (واللفظ له) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرجلُ على دين خليلِه فلينظر أحدُكم من يخالل).. في تلك الأقوال وغيرها من المعصوم صلى الله عليه وسلم خيرُ دليلٍ علي مدى تأثير البيئة المحيطة بالإنسان على أنماط تفكيره مما ينعكس على تصرفاته وسلوكه وردود أفعاله سلبا أو إيجابا.. هذا أمرٌ لا يسعُ أحدٌ إنكارُه!!.. كما لا يُنْكِرُ إلا مستغفل أو مكابرٌ أنَّ مخطَّطًا قد تمَّ تدبيرُه بليْلٍ لهذه الأمة لأجل صناعة وتهيئة أجواء غير صحية تتربى فيها أجيال يراد سلخها عن دينها ومسخِ هُوِيَّتِها تحت دعاوى الحداثة والتجديد واللحاق بركب الحضارة!!

 

وكان أستاذ اللاهوت المسيحي (المستر دنلوب) هو الأمين علي مستقبل شباب الأمة المسلمة حين تمَّ تعيينُه مستشاراً لوزارة المعارف المصرية (وزارة التربية والتعليم )!!.. وكان هو الآمرَ الناهيَ في تلك الوزارة الخطيرة التي (أُنيطَ) بها إعداد القادة والرُوَّاد الجُدُد!! وبالطبع فلقد تم إعداد مناهج ذات صبغة علمانية، وتم إعادة صياغة عقلية (القادة الجُدُدِ) وفق المفاهيم العلمانية النافرة من الدين، فرأينا ولأول مرة في حياة الأمة من يطالب بتجريم تعدد الزوجات!! ومن يطالب بضرورة إحياء الحضارة الفرعونية والافتخار بها!! ومن يدعو إلي عدم النظر إلى الرقص الأوربى علي أنه عملٌ خبيثٌ أو محرَّم ، حيث إنه لا يختلف كثيرا عن التمارين الرياضية وأنه موازنة للأعضاء نظير المصارعة!! ورأينا من يقول إن الحجابَ بدعة انتقلت إلي المسلمين من بعض الأمم الوثنية!! وإن الله قد ترك تحديد عَوَراتِ النساء للعُرْفِ السائد في كل عصر (قاسم أمين هو من قال ذلك)!! ورأينا من تتجرأ علي صريح القرآن ومُحْكَمِ التنزيل بالدعوة إلى (عدالة) توزيع الميراث بين الذكر والأنثى!! إلي غير ذلك من مجارٍ طافحة بكل أنواع الفجور والجرأة على الله ورسوله!!

 

وكانت الجرأة تزداد كل يوم عن سابقه .. وزاوية انحراف المجتمع تزداد انفراجاً حتى رأينا أجيالاً لا تأبه بالصلاة ولا تعيرها اهتماماً!!.. وسبُّ الدين قد أصبح ظاهرة لا تستدعى الغضب لله أو تستثير المشاعر!! وخروج النساء كاسيات عاريات وقد عَرَفْنَ في حِقْبَةِ الاشتراكية الناصرية الميني جيب والميكروجيب !!! وأصبح مشهدُ الكاسيات العاريات مألوفاً ولا يثير حفيظة أولياء أمورهن فضلاً عن المجتمع!!.. بل أصبحت العفيفات المستترات بالحجاب مثارَ سخرية واشمئزازٍ من المجتمع.. بل ومتهماتٍ بالتطرِّفِ وعدم فهمِ صحيحِ الدين ومدي وَسَطِيَّتِه ويُسْرِه!! …

 

والحقيقة أننا سنستهلك وقتاً طويلاً في الحديث عن (مظاهر) الانحراف المجتمعي وصُوَرِه الكثيرة فى القضايا العلمية والعملية المرتبطة بشرعة الإسلام ومنهجه!!.. ثم إن الله عز وجل قد أراد بهذه الأمة أمرَ رشدٍ وخير.. فهيَّأَ عز وجل أسباب الصحوة الإسلامية.. وبدأت العودة الحميدة إلي الله عز وجل من جديد.. وكان هذا الجيل الذي بدأ يعود إلى أصوله.. هو نفسه ذلك الجيل الذي تمَّ مسخُ فطرته عن طريق التعليم والإعلام.. إنه جيل أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش .. إنه جيل السينما والمسرح وقصص إحسان عبد القدوس الماجنة.. إنه الجيل الذي ظنَّ أن طه حسين والعقاد.. ثم عبد الرحمن الشرقاوي وعبد الحميد جوده السحار وخالد محمد خالد وغيرهم -ظنَّهم- من علماء الإسلام!! وظن أنه حين يقرأ لهم فقد تعرف على حقيقة الإسلام!!

 

والحقيقة أن الحقبة الاشتراكية في ستينيات القرن الماضي قد رأت أن أفكار هؤلاء هي القدرُ المسموح به لمن أراد التعرف على الإسلام!! وفي حقبة السبعينيات.. وحين بدأت بواكير الصحوة الإسلامية على عهد الرئيس السادات الذي أراد ضرب الشيوعيين والاشتراكيين بالإسلاميين، كان كثيرٌ من جيل الصحوة من أولئك الذين تأثَّروا بالمدرسة العقلانية التي كانت أحد موروثات الثقافة الإسلامية التي عمل الصليبيون الإنجليز علي ترسيخها (كان رائدها هو الشيخ محمد عبده.. الصديق الحميم لِلُّورْد كرومر -أول معتمدٍ بريطانيٍّ في مصر- ورفيقه في صالون الأميرة نازلي فاضل الأدبيِّ مع قاسم أمين وسعد باشا زغلول!!).

 

وفى حقبة الاشتراكية تم السماح لتيار المدرسة العقلانية الإسلامية (والصوفية كذلك) بالتمدد والاستمرار!!.. وكانت هذه هي إحدى الإشكاليات التي واجهت الصحوة الإسلامية بعد ذلك (ولقد كنت أحد شهود تلك المرحلة غير أنى لم أكن مستوعباً للأمر نظراً لحداثة سني آنذاك) ..

 

وفي العام 1981م بدأ تمايزٌ واضحٌ لمنهج بدأ يشق طريقه بقوةٍ وثبات بين أبناء الصحوة.. وكان هذا المنهج هو (الدعوة السلفية).. والحقيقة أنني كنت من الطليعة الأولى التي قدَّر الله عز وجلَّ لها أن تتربى علي هذا المنهج المبارك .. وكلما تذكرت تلك المرحلة تذكَّرت قول أيوب السختيانى رحمه الله: (إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالِمٍ من أهل السُّنَّة)..

 

الحقيقة أنني أستطيع تلخيص تلك التجربة الرائعة في كلمات موجزات فأقول: (المنهج السلفي بجميع أطيافه هو المنهج الوحيد الذي يجعلك تُعظِّمُ (قال الله تعالى.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولا تُقدِّمُ على قول الله ورسوله قولَ أحدٍ كائناً من كان.. يجعلك تضع الحصان أمام العربة.. بمعنى أنك تدور مع الشرع بدليله الصحيح من الكتاب والسنة حيث دار.. ولا تقوم أنت بتدوير الكتاب والسنة معك حيث دارت أهواؤك!!..

 

لا تضع هدفاً رأيته بهواك وخبرتك وتجربتك (زعماً) ثم تحاول تطويع الأدلة و(لَوْي) أعناق النصوص لتوافق الهدف الذي حددته أنت مسبقاً!!.. تتعلم في المنهج السلفي أن لك ديناً عظيماً يصنع منك شخصاً عزيزا ذا صبغة متميِّزة.. فلا تأتى (حضرتك) وكأن على رأسك (بطْحةً).. أو كأن بدينك (عوراتٌ) ينبغي عليك أن تقوم بمداراتها حتى لا تُتَّهم بأنك لست من أصحاب النزعات الإنسانية!! أو أنك لست من (المتحضِّرين المتمدِّنين)..

 

ينبغي أن نُظهرَ في جميع المحافل مدي سماحة الإسلام.. وأن نردد على مسامع الدنيا (التي تقتل المسلمين في كل مكان تحت سمع وبصر بل وحماية الأمم المتحدة.. في بورما وكشمير وإريتريا والفلبين والصين والبوسنة والهرسك وأفغانستان والشيشان وفلسطين وسوريا والعراق.. إلي آخر تلك القائمة الطويلة!!) -ينبغي- أن نُردِّدَ على أسماعهم قول رسول الإنسانية، صلى الله عليه وسلم،: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).. وأن نُخفى أمره لأصحابه في نفس الموقف بقتلِ عشرة من المشركين وإن لاذوا بالكعبة وتعلَّقوا بأستارها!!.. ليس في ديننا ما نستحي من إظهاره.. بل العَوْرات لدي غيرنا.. وهم لا يستحون من الإستعلان بها.. بل والتفاخر.. وسبحان الله!!

 

من محمد منهاج الإسلام

كاتب من باكستان