في التاريخ السياسي المصري، توجد واقعة مثيرة للجدل أُطلق عليها «صفقة الأسلحة الفاسدة»، التي استخدمها الجيش المصري في الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى في عام 1948.

 

ولا يزال الجدل مثاراً بشأنها حتى اليوم؛ لكن السؤال المهم هو: هل كانت تلك الأسلحة فاسدة فعلاً؟!

 

رغم أن كثيرين لم يبحثوا في هذا الأمر بالجدية المطلوبة، فإن المؤرخ المصري محمد الصباغ، يؤكد -وفقاً لمصادر متعددة- أن الأسلحة لم تكن فاسدة، بل كانت في حالة ممتازة، وأن الجنود غير المدرّبين عليها قبل المعركة هم السبب الأهم في حدوث خسائر بشرية كبيرة أثناء المعارك!

 

وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع الصباغ، دعني أنتقل معك إلى نقطة أخرى، تتعلق بسلاح أقوى كثيراً من الأسلحة التقليدية، وهو سلاح الإعلام.

 

في مجال الأسلحة العسكرية التقليدية، التدريب والخبرة شرطان ضروريان قبل الحصول على السلاح، أي سلاح!

 

وفي العُرف العسكري، يتدرّب الجندي في بداية حياته العسكرية من دون سلاح، ولا يتم تسليمه سلاحاً قبل خوض تدريبات شاقّة في مجالات مختلفة.. فهل ينطبق هذا العُرف على مجال الإعلام خصوصاً في مصر؟!

 

للأسف، تؤكد التجربة أن من تم تزويدهم بهذا السلاح «الاستراتيجي»، منذ عام 1952، كانت غالبيتهم العظمى من غير المدربين على استخدامه، وكانت غالبيتهم من الموالين للنظام، لا من أصحاب الآراء الحرة والشخصيات المستقلة.

 

بمعنى أن صحافياً مثقفاً لديه خبرة وكفاءة، لكنه صاحب رأي مستقل، ويمكن أن يعارض النظام في مواقفه وقراراته انطلاقاً من ضميره الإنساني والمهني، فإن هذا الصحافي سيكون من المغضوب عليهم أو الضالين عن طريق موالاة النظام.

 

هذا الصحفي لا يمكن أبداً أن يمنحه النظام سلاحاً مثل برنامج تلفزيوني كالذي يقدّمه «زميله المدجَّن» أحمد موسى. ولا يمكن أبداً أن يُسمح له برئاسة مؤسسة صحافية مثل «دار أخبار اليوم» التي يترأسها «زميله الموالي» ياسر رزق، أو «اليوم السابع» مثل «زميله المستأنَس» خالد صلاح… وغيرهم.

 

الصحافي صاحب الرأي المستقل بمصر لا يجد سبيلاً سوى أن يوافق على تدجينه برضاه، أو يُجبره النظام على المداهنة والركوع، أو أن يقبل الصمت الاضطراري أو المنفى الاختياري، والأمثلة كثيرة ومتعددة!

 

هذه واحدة، أما الثانية فهي أن يعثر النظام على «صحفي مدجَّن بالفعل» ليست لديه أية مواهب ولا يمكن أن يُعارض أو يعترض، بل إنه «يستمتع» بحالة الطاعة العمياء، عندئذ، يفتح له النظام الأبواب المغلقة ويمنحه كل الأسلحة الإعلامية الفتّاكة ليواجه بها أعداء النظام فقط.. هكذا كان حال الإعلام في مصر منذ سنوات طويلة.

 

كل هذا مفهوم، لكن غير المفهوم أن تنتقل هذه الممارسات إلى إعلام من المفترض أنه ينطق باسم ثورة 25 يناير 2011 خارج حدود البلاد.

 

بعض الأفراد القلائل المحسوبين على الثورة والثوار يضعون أنفسهم محل النظام الحاكم المستبد في مصر، ويستخدمون نفس أساليب وأدوات نظام مبارك، ربما لأنهم كانوا جزءاً من هذا النظام.

 

يضعون كل شيء في غير موضعه، يمنحون «السلاح الإعلامي» لأيدٍ غير ماهرة ولا مدرّبة، وبعضهم يمارس مهنة الإعلام لأول مرة في حياته أو حياتها حتى يسهل قيادهم وتوجيههم، بينما في الوقت نفسه يستبعد الخبرات والكفاءات بطرق خبيثة وملتوية وحقيرة؛ لصعوبة توجيههم وفق أجندة معينة.

 

هذا الوضع الشاذ والمقلوب خلق «فوضى إعلامية» لم تجنِ الثورة منها شيئاً ملموساً طوال 6 سنوات، وهو وضع يشبه «صفقة الأسلحة المصرية الفاسدة» التي لم تكن فاسدة بقدر فساد القائمين عليها!

من محمد السخاوي

باحث سياسي