الزميل أبو بكر أبو المجد مع د. عبد العزيز التويجري

حوار: أبو بكر أبو المجد

د. عبد العزيز التويجري المدير العام السابق للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة من مواليد الثالث من إبريل لعام 1950.. ولد في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.. التحق بكلية التربية بجامعة الملك سعود وحصل منها على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية والتاريخ عام 1974م بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف.

 

ابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة دراساته العليا عام 1975م، حيث حصل على درجة الماجستير في اللسانيات عام 1977م، ودرجة الدكتوراه في المناهج عام 1981م من جامعة (أوريكون).

 

عين أستاذاً مساعداً بكلية التربية بجامعة الملك سعود عام 1982م، وترأس عدة لجان أكاديمية بها، ثم مشرفاً على مركز التأليف والترجمة والنشر، ومركز الكتب الدراسية بجامعة الملك سعود عام 1984م، ثم مديراً عاماً مساعداً في الثقافة بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وباشر عمله بها في 15 سبتمبر 1985م.

 

كتب العديد من الدراسات التربوية والبحوث الثقافية والفكرية والعلمية ونشر طائفة من المقالات في كبريات الصحف العربية، ثم انتخب بالإجماع مديراً عاماً للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة من قبل المؤتمر العام للمنظمة في دورته الرابعة المنعقدة في الفترة ما بين 28-30 نوفمبر 1991م بمدينة الرباط حينئذ، واستمر في منصبه حتى أشهر قليلة خلت.

 

إنه الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري، الأمين العام السابق لاتحاد جامعات العالم الإسلامي وعضو مجلسِ أُمناء بعض الجامعات الإسلامية، وعضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية مؤسسة آل البيت (عمّان) المملكة الأردنية الهاشمية، وعضو الهيئة الاستشارية لموسوعة الحضارة العربية الإسلامية، والمدير المسؤول لمجلة الإسلام اليوم الإسلامية الأكاديمية التي تصدر باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية ولمجلة الجامعة.

 

حصل التويجري أيضًا على وسام درجة قائد من نيشان الهلال الأخضر من جمهورية القُمر الاتحادية الإسلامية سنة 1992م، وكذلك على وسام العلوم والفنون من الطبقة من جمهورية مصر العربية سنة 1998م.

 

كان لنا معه هذا الحوار للوقوف على رؤيته لمستقبل العالم الإسلامي في ظل الخلافات والصراعات المتأججة والوضع الإقليمي والدولي المضطرب:

 

 منذ التحاقكم بمنظمة الإيسيسكو عام 1985، وأنتم حريصون على العمل التربوي والثقافي المشترك، فهل ترى أن حلمكم تحقق أو أنه على طريق التحقق، وما هي المعوقات التي كانت ولا تزال حجر عثرة لم يتزحزح إلى الآن؟

 

لقد حرصت خلال عملي في الإيسيسكو على تعزيز العمل التربوي والثقافي والعلمي المشترك وتوسيع مجالاته.

 

وفي هذا الإطار وضعنا عددا كبيرا من الاستراتيجيات القطاعية التي شاركت الدول الأعضاء فيها من خلال خبرائها وممثليها في المجلس التنفيذي.

 

وقد حققت هذه الاستراتيجيات وما نفذ في ضوئها من برامج وأنشطة كثيرة قدرا كبيرا من النجاح الذي أشادت به الدول الأعضاء، ومن الطبيعي أن تكون هناك معوقات في طريق هذا العمل من أبرزها الخلافات السياسية والفكرية بين بعض الدول الأعضاء، والتفاوت في مستويات التطور في هذه المجالات وغير ذلك من الأمور التي إذا استمرت وتفاقمت ستؤثّر سلبياً على هذا العمل وتضعف أثره البنّاء.

وما يحدث اليوم في العالم الإسلامي من صراعات وحروب وانقسامات ينذر بنقض كلّ ما أنجز عبر عقود من الزمن مع الأسف الشديد.

>الوضع الدولي الراهن لا يبشر بقرب قيام

دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف♦>

أنتم من المؤمنين أن النهضة الحضارية الإسلامية لن تكون إلا بتحديث مناهج التعليم، فكيف يتحقق ذلك ومن المنوط به تفيذه؟

 

تحديث مناهج التعليم وتجويدها مسؤولية المؤسسات المشرفة على التعليم بجميع مراحله.

 

وقد قمنا في الإيسيسكو خلال العقود الثلاثة الماضية بوضع إستراتيجية تطوير التربية وإستراتيجية تطوير التعليم العالي وإستراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا، كما وضعنا مؤشرات قياس الأداء الجامعي.

 

ونحن لا تنقصنا في العالم الإسلامي الكفاءات التربوية والعلمية ولا الإمكانات المادية لتحقيق النهضة الحضارية وما نفتقده هو الإرادة السياسية والتكامل الفعّال لاستثمار وتوظيف ما لدينا من كفاءات وقدرات في إطار خطّة تنمويّة شاملة ومستدامة.

 

أنتم من الداعين إلى ترشيد التواصل مع الثقافات والحضارات في المجالات الفكرية والثقافية والفنية، فهل ترون إمكانية ذلك في هذا العصر؟ ولما تدعو لهذا الترشيد؟

 

ترشيد التواصل مع الثقافات والحضارات في المجالات الفكرية والثقافية والفنية هو في الاستفادة من كل جديد مع الحفاظ على مقومات الهُويّة، فلا انغلاق ولا انفلات.

وهذا ما تحرص عليه دول كثيرة في العالم اعتزازا بموروثها الحضاري، ومما لا شك فيه أن تيارات العولمة اليوم قوية جدا والوقوف في وجهها يتطلب جهدا كبيرا وعملا دائما، خاصة في ظل ثورة المعلومات ووسائل التواصل العابرة للحدود وذات الأثر الكبير على العقول والسلوك في كل مكان.

♦>المسلمون يعانون من الاضطهاد في بعض البلاد

مثل ميانمار والصين والهند.. وتأجج الخلافات بين

البلاد الإسلامية تحول بين تحقق النهضة الحضارية♦>

دعوتم إلى إنهاء التوترات في العالم والحد من سباق التسلح، فماذا قدمت الإيسيسكو من أطروحات في عهدكم وهل لاقت أذانًا مصغية؟

 

التوترات والصراعات في العالم صناعة مقصودة لضمان تسويق الأسلحة بكل أنواعها، ومع الأسف الشديد أصبحت القوى الكبرى أي  الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي المسئولة عن حفظ الأمن والسلم الدوليين هي التي تُخلّ بالسلم والأمن في العالم في إطار التنافس بينها على المصالح المختلفة، وهذا دليل على فشل النظام العالمي في القيام بمهامه الحقيقية.

 

وكنت دائمًا ولم أزل من الداعين إلى معالجة هذا الخلل الخطير الذي يهدد مستقبل العالم.

 

وبالرجوع إلى الإعلانات والبيانات التي أصدرتها الايسيسكو خلال إدارتي لها تجد هذا الموقف واضحًا وقويًا؛ لكن ليس كلُ ما يُقال يجد آذانًا مصغية.

 

هل الشخصية الإسلامية مهددة بالانقراض؟ وهل ما يواجهه المسلمون من تشويه لهم وتضييق في بعض البلدان متعمدٌ؟

 

الشخصية الإسلامية لا تتعرض للانقراض بل تتعرض لهجمات مختلفة تهدف إلى التشكيك في عقيدتها ومقومات هُويّتها، وتفكيك الوشائج التي تربط المسلمين بعضهم ببعض.

 

وما يعانيه المسلمون في بعض دول العالم من ظلم واضطهاد كما هو الحال في ميانمار والصين وكشمير، وفي ظل الصراعات والتكتلات العنيفة المحتدمة ببن بعض دول العالم الإسلامي يجد المتربصون بنا الفرص لتأجيج الوضع واستدامة الضعف حتى تتحقق أهدافهم في منع النهضة الحضارية من الحدوث.

♦>ما نفتقده هو الإرادة السياسية والتكامل

الفعّال لاستثمار وتوظيف ما لدينا من كفاءات

وقدرات في إطار خطّة تنمويّة شاملة ومستدامة♦>  

كنتم من الرافضين للاتهامات الغربية بأن مناهج التعليم في بلادنا هي التي تصنع التطرف، وبعد كر السنين هل ما زلتم عند رفضكم الأول؟

 

المناهج التعليمية في دول العالم الإسلامي لم تصنع ولا تصنع التطرف، فالتطرف يصنع في الظلام ووراءه قوى تنتفع منه.

 

وقد أثبتت الأيام أن صناعة التطرف في منطقتنا هي نتاج التنافس الدولي على المصالح في بلدان العالم الإسلامي وعلى تشويه صورة الإسلام في العالم.

 

لقد تخرّج من مدراس العالم الإسلامي وجامعاته الملايين، فهل هؤلاء متطرفون؟

 

التطرف شذوذ يوجد في كل مجتمع وعلاجه بالفكر القويم والسياسة الحكيمة اللذين يراعيان مصالح الوطن وأمنه وسيادته.

 

اهتممتم بالتخطيط الإستراتيجي لمستقبل العالم الإسلامي وأشرفتم على وضع 16 “إستراتيجية قطاعية” اعتمدها مؤتمر القمة الإسلامي في دوراته المتعاقبة، فهل ترون إمكانية لتحقيق إستراتيجيتكم في ظل المواقف والمخططات الإيرانية؟

 

الاستراتيجيات التي وضعتها الإيسيسكو خلال إدارتي لها مشروع حضاري متكامل نفذنا منه مراحل مهمة وأرجو أن يستمر تنفيذ مضامينه بشكل فعال، والخلافات القائمة اليوم يجب ألا توقف هذا العمل المهم؛ بل يجب أن تكون حافزًا للاستمرار فيه.

 

أما إيران كما تعلم فهي تقوم بتنفيذ مخططاتها في العالم الإسلامي منذ أكثر من ثلاثة عقود ولم يؤثر ذلك على عملنا، وكنت دائمًا أدعو إلى إيلاء العمل التربوي والعلمي والثقافي المشترك الاهتمام اللائق والدعم اللازم؛ لكن مع الأسف الشديد لم نلق إلا القليل من الدعم بينما الطرف الآخر ينفق الكثير لإنجاح مخططاته، واليوم نرى آثار ذلك في الواقع المؤلم.

 

هل ترون إمكانية لعودة العلاقات السعودية القطرية لسابق عهدها؟

 

عندما تزول أسباب الخلاف وتستقيم الأمور تعود المياه إلى مجاريها.

 

 هل تتساوى في تقديراتكم المواقف القطرية والإيرانية والتركية حيال الدول العربية؟

 

لكل دولة توجّهٌ معيّن وأهدافٌ خاصة، وقد تلتقي المواقف في ظلّ ظروف معيّنة رغم الاختلافات، وعلى العرب أن يعيدوا النظر في أوضاعهم ويعرفوا أن قوّتهم في وحدتهم واحترام بعضهم بعضا، وضعفهم في تفرّقهم، وإذا فعلوا ذلك لن يجد غيرهم الفرصة للتدخّل في شؤونهم.

 

هل لا زالت القضية الفلسطينية حية وأننا لم نزل قادرون على إنفاذ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بإعلان كونها دولة كاملة العضوية على حدود عام 1967؟

 

القضية الفلسطينية تعيش أسوأ أيامها بعد النكبة. فالعدو الإسرائيلي مستمر في غطرسته وأعماله الإجرامية تحت حماية ودعم الإدارة الأمريكية، والفلسطينيون منقسمون ومتصارعون في كيانين مختلفين وهذا يضعف قوتهم ويشتت جهودهم، والتضامن العربي شبه غائب عنهم، والأمم المتحدة عاجزة عن تنفيذ قراراتها، وضعٌ كهذا لا يبشر بقرب قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وما وراء الستار أدهى وأمرّ.

 

ما هي أكثر الأخطار التي تواجه بلادنا العربية والإسلامية وكيفية مواجهتها؟

 

الأخطار التي تواجه العالم الإسلامي اليوم تتمثل في انتشار الأمّية والطائفية اللذين ينتجان الجهل والتعصّب ، وفي الصراعات المدمّرة التي تهدم الانجازات والعلاقات والوشائج وتعوق التنمية وتهدد الاستقرار، وفي الأطماع الأجنبية في ثروات العالم الإسلامي، ولمواجهة هذه الأخطار يجب العمل على نشر التعليم الجيد والثقافة الوسطية وحلّ الخلافات بالحكمة وتغليب المصالح العليا، واحترام التعددية الدينية والثقافية واحترام كرامة الإنسان وحفظ حقوقه، وتقوية الجبهة الداخلية والتضامن الفعّال في وجه من يريد بدولنا شرّا.