1️⃣ الإخلاص هو قصد إرضاء الله وليس إرضاء النفس وإراحتها.. فحين تُفرض عليك معركة تجعلك بين اختيارين أحلاهما مر فالإخلاص أن تجتهد في اختيار أهون الشرين وأخف الضررين لا في أن تنسحب منها وتوهم نفسك أنك تتعالى عليها.. فهذا هو إرضاء النفس المغطى بغلاف رقيق جدا من وهم “إرضاء الله”!

 

2️⃣ والغربة ليست أمرا مقصودا بذاته! ولا له في ذاته معنى محمود! فإذا رأيت نفسك في أقلية وغربة فهذا لا يعني بالضرورة أنك من “الغرباء” الممدوحين بالصلاح حين يفسد الناس.. ربما تكون منهم وربما لا تكون.. لكن مسارعتك إلى تفسير ضيقك وقلة من معك بأنها الغربة وبأنكم الغرباء قد يكون إرضاء للنفس، وهو أيضا مغطى بغلاف رقيق جدا من وهم “إرضاء الله”!

 

3️⃣ الحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق.. انتظر! لا تأخذ هذه الكلمة وحدها وتمضي.. بل تذكر معها أنه لا يستوي من أراد الحق فأخطأه بمن أراد الباطل فأصابه! وبغض النظر الآن عن يقينية الحق الذي معك على الباطل الذي مع أخيك، فإن اجتهاد أخيك في المسألة ينبغي ألا يخدش صورته عندك..

 

لا أحب الاستشهاد بصلح الحديبية فلطالما تم تشويهه، لكنه على كل حال لن يحذف من السيرة، وهنا أستشهد به في موطن آخر.. في موطن “ويحك يا عمر، إنه رسول الله”.. وهو ما يعني أن القرار لا ينفصل عن الشخص الذي اتخذه، واجتهاده في التقدير لا يعني الانكسار أو الانهزام لا سيما وقد ثبت من سيرته الجهاد والفداء!

 

وهذا فضلا عن الحكم الأخير على فعل أو قرار أو اجتهاد.. وليس هذا مقام التفصيل في عظمة الإسلام الذي يثيب المجتهد المخطئ، بل هو مقام القول بأن الذي تظنه منسحبا منكسرا منهزما راضيا بالدنية قد يكون هو في مقام الجهاد بينما تتعالى أنت عن الجهاد وتتوهم أنك ترضي الله بينما أنت ترضي نفسك.. وهذا معنى قول المجاهد ابن المبارك لأخيه العابد الفضيل بن عياض:

 

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا … لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه … فنحورنا بدمائنا تتخضب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا … رهج السنابك والغبار الأطيب

 

4️⃣ الإخلاص أن تختفي كل النوازع من النفس لتكون الغاية إرضاء الله، واختفاء كل النوازع يعني التجرد من كل الحسابات المزاجية ليكون الهدف هو تقدير المصلحة الشرعية في الأمر.. الإخلاص لا يعني بالضرورة ترك المعارك أو الشعور بالغربة أو التعالي عن الواقع.. بل إن “ترك العمل لأجل الناس.. رياء” كما قال الفضيل بن عياض، فمجرد وجود مؤثر على اتخاذ القرار ينفي عنه الإخلاص، ولو كان العمل هو “ترك العمل”