الصين ورمزيتها في دعم الجزائر:

نحو التحول الاستراتيجي في معادلة موازين القوى

مما لا شك فيه أن المختصين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية يستوعبون الخطوة الصينية الأخيرة باتجاه الجزائر، فالصين ليست هي من جاءت لتنقذ الجزائر من احتمالات التهديد والتفريق والشتات و…. و…. و….، وإنما هي تعرف بالدقة من هي الجزائر إقليميا وكيف يمكن للاستقطاب الصيني لإقليمية الجزائر ان يكون مددا في هذه المرحلة العصيبة من الحروب الفضائية العنيفة التي أشعلتها الولايات المتحدة الأمريكية ولحقت بها روسيا والهند واخيرا الصين.

 

والجزائر بفعل حكمة مشروعها العسكري بادرت مبكرا في الاحتكاك بنتائج ضغوط الحرب الالكترونية الفضائية وكانت بشائرها إجهاض نظام WLL على الحدود، وهي تعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية أشعلت النار في مؤسسة هواوي للخلوي للاتصالات وتآمرت على اعتقال ابنة رئيس مؤسسة هواوي واتهمتها بكونها جاسوسة، ولذلك سبقت الجزائر الأحداث وتعاونت مع الصين في وقت تشهد الصين ضغطا دونالديا ترامبيا عنيفا باتهام هذه الأخيرة بكونها البادىء بإطلاق نذر الحرب الفضائية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وتابعت الجزائر الاستعراض الصيني الكبير شهر أكتوبر 2019م في ساحة السلام الأبدي وهي تتابع فرحة وسعادة القيادة الصينية وهي تكشف لأول مرة في تاريخها عن صواريخ DF27/DF41 الموجهة لضرب وقصف الأقمار الصناعية مهما تكن مواقعها وقوتها الحمائية، فتغيرت النبرة نهائيا في الولايات المتحدة الأمريكية واخذ العالم مسارات جديدة، لذلك من الايجابي جدا أن يكون هناك تعاون عسكري صيني-جزائري، بالنظر لمدى الحاجة الإقليمية للجزائر لكي تحمي مصالحها الاستراتيجية التاريخية، وتمنع العابثين من وضع مصير الجزائر على طاولة المقامرات الدنيئة، ومن هنا جاء الموقف الصيني متناغما مع المرحلة الجزائرية الحالية، وعلى الطامحين المارقين والراغبين بتحويل الجزائر إلى فضيحة دولة الأقليات ووضعها للتلاعب بين أيدي الشواذ في البرلمان الأوروبي والأمم المتحدة فإن ذلك لن يحصل بحكم الطبيعة التكوينية التاريخية للمجتمع الجزائري، وهو عين ما أكدته السيدة Stephanie Blankenberg مفوضة هيئة الأمم المتحدة للتخطيط والاستشراف.

 

لهذه القوة الصينية الرافعة لبيان الفيتو أمام المتصهينين أمثال جيلبيرت كولارت وغيره من المصطفين للتآمر على الوحدة الجزائرية، كونها تعرف أن من مصلحة إنجاح طريق الحرير الاقتصادي العظيم ومن مقتضى موقع الجزائر في المنتدى الاقتصادي الصيني-الإفريقي، الاتجاه نحو ضبط الاصطفاف الاستراتيجي إلى جانب الجزائر، وستحذو حذوها روسيا لاحقا حالما يتم الانتهاء من فض الإشكالات المتعلقة بين عقود الغاز بين روسيا وأوروبا وقطر وأوربا والجزائر وأوروبا، حيث إن الجزائر تعاني معاناة شديدة بسبب وجود منافسة غير شريفة وغير أخلاقية، تنتظر الجزائر من روسيا تسوية ملف الغاز بطريقة منظمة تحفظ المصالح الاستراتيجية للجزائر، فما حصل مؤخرا لم يكن يجري في سياق احترام المواقع والاتفاقيات المبرمة بين البلدان المصدرة للغاز، ومع ذلك يلعب السيد محمد عرقاب وزير الطاقة في حكومة بدوي دورا كبيرا في جعل الجزائر تتمتع بإمكاناتها ومقوماتها الطاقوية كما كانت من قبل.

 

إننا مثلما شاهدنا الصين تتوجه نحو علاقاتها بين مجموعة جنوب شرق آسيا ومجموعة الدول المحيطة بمنابع النفط وخطوط الغاز في الخليج العربي وخاصة عند مضيق هرمز ما جعلها تتعاون مع الروس لإيجاد مخرج للفوضى الكبيرة التي ضربت محيط سوريا وخاصة البلدان المنتجة لنفط والغاز، فالتعاون الصيني -الروسي وفق هذه الإستراتيجية أضعف كثيرا أو بالأحرى كشف عيوب التنسيق الروسي-التركي، فما يرفضه الروس دوما هو موقف الأتراك من قضية أوكرانيا وجزيرة القرم على غير مراد روسيا ولذلك كان تدخل الروس في شمال شرق الفرات على غير مراد تركيا، فكانت الصين الفائز الأكبر في معادلة التوازن الاستراتيجي للقوى.

 

يا جماعة: هذه هي عظمة الجزائر وقوتها في موازين المعادلات الإقليمية والدولية، فكل رهان يسعى لضربها يحتاج بدوره إلى إستراتيجية خراب ودمار شامل للبلد، والجزائر بما تملك من رجال وطاقات قادرة على استيعاب خلفيات الخراب كله وستنسفه في اليم والرم نسفا ولا تذر له قاعا ولا صفصفا، فالتحية لكل من هو مصطفون للدفاع عن الوحدة الجزائرية.

من محمد شعبان أيوب

باحث في التاريخ والتراث