جعل الله، عز وجل، للنصر سُنَنًا وأَسبَابًا، ولن يتحقق النصر إلا إن تحققت هذه السنن؛ لذلك لا يكفي الإنسان أن يكون على الحق حتى يَتَحَقَّق له النصر، وإلا فالنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، كان على الحق المُبِينِ، ومع ذلك أُوذِيَ أَشدَّ الأَذَى، وأخُرج مِن بيته، وَسَخَّر ثُلَثَ عُمْرِه (صلوات الله عليه) فِي تحقيق الأسباب؛ من أجل نُصْرَةِ الحق الذي كان عليه، فَمِن هُنا يَتَبَيَّن لنا يَقِينا أن الحق وحده لا يكفي حتى تنتصر، وإنما لا بد من توافر أسباب أخرى؛ لذلك لما انتصر الفرس (المجوس)، على الروم أتباع الديانة السماوية (المسيحية)، زمن البعثة النبوية، ليس لأن الفرس كانوا على الحق، والرومان أتباع الديانة كانوا على باطل، وإنما لتوافر أسباب  النصر المادية عند الفرس والتي افتقدها الروم.

 

ومثال ذلك يوم أُحُدٍ المشهود، والذي فيه أُوذِيَ رسولنا، صلى الله عليه وسلم، وحبيب رب العالمين أَيَّمَا إَيذاءٍ، وَقُتِلَ سَبعون من أصحابه، وكانت الكفة لكفار قريش، هل هذا يعني أن قريش في هذا اليوم كانت على الحق، أبدا ولا يقول هذا عاقل؛ ومن هنا يتبين لنا يقينا أننا قبل أن نبحث عن النصر، وقبل أن نطلب من المجتمع أن ينصرنا لأننا على الحق، يجب علينا يقينا أن نبحث عن أسباب النصر التي يجب توافرها، حتى تساق الانتصارات للأمة بالأسباب المادية مقترنة بالأسباب المعنوية.

 

لذلك لو نستقرئ التاريخ الإسلامي عامة؛ فإننا نجد أن أسباب النصر  لا تخرج عن نقطتين أساسيتين.

 

الأولى: تحقيق كمال العبودية لله.

الثانية: العدل.

 

لذلك جاء في الأثر أن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة، على الأمة المؤمنة الظالمة، وهذه من أكبر النظريات التي غفلت عنها الأمة الإسلامية، خاصة في القرنيين الأخيرين.

لذلك لا نستغرب الانهزامات المتتالية للأمة في هذه الفترة، وإذا بحثنا عن الأسباب فلن تخرج عن واحد من السببين آنفي الذكر.

 

وفي قراءة سريعة للتاريخ الإسلامي، وجدنا أن كل الدول أو الممالك التي سقطت، كان هذان السببان أحد سقوطها.

وهذا يتضح عِيانا أواسط القرن العشريين، إبان فترة الاحتلال المباشر، فالأمة وبعد تقسيمها، لم تتمكن من التحرر من أغلال المحتل إلا بعد أن رجعت إلى هذه السنن، تحقيق كمال العبودية، والجزائر خير مثال لذلك.

 

أما إن لم تتحقق هذه السنن (كمال العبودية، أو العدل)، فإن المعارك ستكون غِلَابًا (قُوَّةً وَقَهْرًا)، وَدُوَلًا (مَرَّةً وَمَرَّة)، والنصر في حال غياب السنن لا محالة للقوي، مثل الغابة، القوي هو من يملك، وهذا هو تفسير الفترة التي نعيشها اليوم، لا يحق لنا أن نستغرب هذا الوضع الذي نحن فيه من الانهزامات والانحطاط؛ لأنه نِتَاجٌ متوقع، وأمر لا غرابة فيه، ويرجع هذا لسببين.

 

الأول: الحاكم

الثاني: المحكومين.

 

أولا: لا يستطيع أحد أن ينكر أن بلادنا اليوم، من أكبر البلاد التي يُمَارَس فيها الظلم جِهارا نهارا، وأن البلاد أصبحت فقط لبعض العباد، والبَقِيَّةُ البَاقية، عِبْءٌ، أو هَمَجٌ مُسخَّر لِخدمة الحاكم وحاشيته.

 

والحاكم بهذه التصرفات، وهذه الصفات، فمن المستحيل أن يكون النصر حليفه، أو أن يكون له سَهْمُ نَصِيبٍ من النصر؛ لأنه هو وسننه (النصر)، الأول مشرق والثاني مغرب، فمهما كانت المعركة التي سيخوضها، فمصيرها البوار، وحتى وان دخل في حرب مع قوم كافرين، فهم المنتصرون لا محالة؛ لأنهم قوم حكموا في أوطانهم بـ العدل، وهذا ما لم يتحقق لحاكمنا، للأسف الشديد، فلذلك لا نستغرب هذه الهزائم المتتالية النازلة بأوطاننا في كل المجالات، وعلى جميع الأصعِدة، ولا داعي لذكر الأمثلة فالواقع اليوم خير دليل.

 

أما المحكومين (الشعوب)، فلا لا غرابة لما وصل إليه حالهم اليوم، وذلك لأن نصر الله وعِزَّه لن يصبهم أبدا؛ وذلك لسببين:

 

الأول: البعد عن الله (عدم تحقيق العبودية على المستوى الفردي).

الثاني: عدم إنكار المنكر (لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر).

 

وقوم تحققت فيهم هاتان الصفتان، فَجدير أَن يُخْطِئَهُم نَصْرُ اللهِ، ولن يكون لهم فيه نصيب.

 

لذلك لما جاءت الحركات الإسلامية، وأرادت بناء دولة على منهاج النبوة، فقبل أن تبدأ بالأسباب، كما فعل رسول الإسلام، صلى الله عليه وسلم، فكرت أن الدولة الإسلامية عبارة فقط عن بَابِ بَيتٍ، يتغير وتصبح الدولة فِي طَرفَةِ عين إسلامية، ونَسِيتْ أو تَغَافَلت عن السنن الكونية، وخير مثال لذلك الوعود التي أخذها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الأنصار يوم البيعة، على ما نبايعك يا رسول الله.

 

ولا نريد أن ندخل في نقاش مع الحركات الإسلامية التي تفكر في بناء دولة إسلامية عن طريق صندوق الانتخاب، والشكر للفيلسوف -مَالِك بَنْ نَبِي- حيث أجابنا إجابة كافية وشافية لمن يفكر أن الدولة الإسلامية تأتي عَبْرَ وَرَقَةٍ فِي صُندوقٍ مُغْلَقٍ، وَبعد 24ساعة، نُعْلنُها مدوية خلافةً راشدة، على منهاج النبوة.

 

بما أن السُّنَنُ الكونية (العدل، وكمال العبودية)، لم تتحقق في الحاكم، فمن المستحيل أن تَحْضى أُمةٌ بالنصر، مع الأعداء حتى الكافرين.

 

وبما أن السُّنَنُ الكونية (كمال العبودية)، لم تتحقق في المحكومين، أفرادا ومؤسسات (حَرَاكٌ إسلامي)، فلن يكون للأمة نصيب.

 

ومن هنا نتأكد أن ما تزعمه الحركات الإسلامية في الوطن العربي (ولا نريد أن نحكم على النيات)، جَعْجَعَةٌ وَلَا طَحِينٌ.

 

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) ، إذا لا بد من السنن؛ لأن النصر فوق الرؤوس فقط ينتظر السنن لينزل علينا، كالغيث المدرار.

من محمد عبد العاطي

باحث في مقارنة الأديان