بداية:

جزى الله خيرا الإخوة جميعا على التفاعل والمشاركة مع مقال “خطاب الشماتة” فتقادح الرأي حالة صحية، والأخذ والرد هو الذي يوضح المواقف ويظهر حقيقة الآراء.

ثانيا:

المحبة والتقدير متبادلان، والتعليق على الآراء والمواقف لا ينفيانهما ولا يقللان منهما، لكن كيف يتبين وجه الصواب إذا لم نتناقش ويمحص بعضنا رأي بعض؟وأيا كان رأيالمخالف فالمحبة والتقدير سيظلان قائمان. فليس لهما دخل أصلا باختلاف الآراء.

ثالثا:

أنا والله لا يهمني إن ظهر الحق على لساني أو على لساني غيري المهم أن يظهر الحق وتنضبط البوصلة، والمجتهد إذا كان من أهل الاجتهاد والتخصص حتى إذا أخطأ فقد ضمن الأجر.

رابعا:

هذا النقاش ليس المقصود به شخصا بعينه، بل هو خلاصة مناقشات مع كثير من الإخوة الأعزاء الذين يرون الرأي المخالف لذلك أحببت أن تكون المناقشة عامة ليشمل الرد للجميع.

كما أني أؤكد أن ما ورد بالمقال من نقد لبعض الأفكار والشخصيات لم يقصد به التعميم، وإن كان هناك تسليم بأن ظهور كثير من التعاملات السلبية كان واضحا، لكن التعميم ظلم.

خامسا:

أتفهم حالة الغضب المكبوت وحالة الحزن من موقف بعض الناس وللأسف فرح بعضهم -تحت القصف الإعلامي المجرم بما تم من إراقة الدماء- لكن هذا الغضب عندما يوجه لجموع الناس فإنه يوجه للجهة الخطأ، إذ ينبغي أن يوجه للظالم بذاته.

سادسا:

أنا أرى أن هذا الوضع الحالي هو “وضع مؤقت” فعمر الظلم قصير مهما طال فكيف تكون العلاقة مع الناس الذين ظللنا لسنوات طويلة نفرح في مصائبهم؟ وكيف يصدقون بعد ذلك أننا نرجو لهم الخير، أم أننا لا نريد الخير لهم إلا إذا كان على أيدينا.

سابعا:

أتفهم حالة شماتة المكلومين أو الفرح في مصائب الناس الذين رقص بعضهم على دمائهم كما يرددون دائما عندما تكون سلوكا أو شعورا فردياأما أن تكون سلوكا أو شعورا جماعيا فهذا معناه أن هناك “عقلا جمعيا” قد تشكل لدى هؤلاء الناس أصحاب هذا السلوك والشعور فجعلهم يعيشون في جيتو فكري أو اجتماعي ولن تكون لهم صلة بالناس فيما بعد وهذا ما لا أتصور حدوثه.لأن هذا دمار لكل الأفكار الإصلاحية التي يتصورون أنهم يحملونها.

ثامنا:

إذا كان تصورنا أن هذه الأوضاع القائمة لن تستمر طويلا فإن الأصل أن تظل العلاقات بالناس موصولة وودودة، فهم جمهور الدعوة وإذا انقطعت العلاقات بهم فأي رسالة إذا يمكن العمل على إيصالها لهم؟

تاسعا:

ما أسهل أن تزايد على جراحات المكلومين وأنتعزف على وتر المسجونين والمشردين دون أن تقدم حلولا أو مخارج لهذه الأوضاع المأزومة أو تطرح التساؤلات الحقيقية لما أوصلنا إلى هذه النقطة ومن المسئول عن القرارات التي أودت بالناس إلى السجن والتشريد، وهل من العقل أو الأمانة أن الذي أخذ تلك القرارات التي أوصلت الناس إلى هذا المصير يظل قابضا على زمام الأمور ويأخذ أيضا قرارات للمستقبل دون أدنى مسائلة ولا أقول محاكمة؟

هذا السؤال إذا كان للداخل من حيث المحاسبة والمحاكمة فإن من حق كل من تضرر جراء هذه القرارات أن يطرحه فالكل قد دفع ثمن هذه الأخطاء.

وما أصدق الدكتور يوسف القرضاوي حين قال: “كم من جماعات وحركات أصابها الطغيان الخارجي، أو التمزق الداخلي، أو الفتور والذبول، وفقدان المبادرة والتجديد نتيجة لمطامح أفراد فيها أبوا أن يخلوا مكانهم لغيرهم، ناسين أن الأرض تدور، وأن الفلك يسير، وأن العالم يتغير!”.

عاشرا:

ما أسهل أن تدعو الناس للتحرك والنزول للشوارع وأنت خارج البلد ولن تدفع ثمن أو تكاليف ما تدعوهم إليه،لكني أعتبر أن مثل هذا الخطاب خيانة لعلم السياسة والبيان، فهو في حقيقته دفع الناس للمهالك في معارك خاسرة دون أدنى فائدة تذكر إذ أن ميزان القوى مختلا أبلغ اختلال.

أخيرا:

لنحاول أن نحرر مفهوم الشماتة ونخلصه من شحناته السلبية والعقلية الجيتوية التي يدفع إليها، وقد يصل بنا إلى نقطة قد تكون مقبولة لدى أكثر الناس.

فأقول: لا نريد شماتة في مصائب عموم الناس، ولكن نريد أن نركز على حالة الرضى بفشل الظالم وسياساته،إذ لو نجح لا قدر الله مع كل هذا الظلم فربما كان نجاحه هذا سببا في فتنة خلق كثيرين، فتسعد الناس كلما ظهرت إخفاقاته كنوع من التعبير عن خطأ موقفالظالم وأن الظلم لن يأتي بخير.

وهذا قريب من سجود الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله عندما جاءه خبر هزيمة يونيو وشرح ذلك بقوله: “لأننا لو نصرنا ونحن في أحضان الشيوعية، لأصبنا بفتنة في ديننا”، ومع ذلك ظل الشيخ طيلة عمره المديد يدفع عن نفسه تهمة عدم الوطنية مع ما له من جلالة قدر ومرجعية عند عموم المصريين فما بالنا بغيره ممن هو أقل مرجعية منه وأجهزة مكر الليل والنهار دائمة الاتهام له بعدم الوطنية وترديد مقولة بعض رموزهم أن الوطن حفنة من التراب.مع أنه حتى هذا القول يمكن تفسيره بشروح تدفع عنه تهمة عدم الانتماء للوطن.

ومن ثم فيجب أن تنحصر حالة الفرح بفشل سياسات الظالم الذي اقترفت يداه الجرائم وليس كل من شهد الجرائم خاصة مع حالة القصف الإعلامي المكثف الذي شوه مفاهيم الناس ونفسياتهم وصور لهم الأمور على غير حقيقتها وهو أمر مشاهد ومفهوم لكل من كان له خبرة بتقنيات الإعلام وصناعة الرأي العام.

مقالات الكاتب د. عمرو عبد الكريم سعداوي

من وائل أباظة

كاتب ومدون